recent
أخبار ساخنة

لقاء مغ نزار قبانى بقلم الشاعر الدكتور مصطفى مهدى حسين

سلوي علي محمد
الصفحة الرئيسية


Waleed Fattah's photo.









 السلام عليكم - لقد اثرت شجوننا بقدر ما امتعتنا - اي حزن شفيف احسه و انا اقرا سطورك هذا - لذكريات جميلة كنت فيها في عام 1974 في مربد البصرة حين كنت طالبا في المرحلة الاعدادية في اعدادية ابي الخصيب و معي زملائي من الشعراء اخي المرحوم فيصل و صديقيّ الشاعران عبدالله المنصور وسالم السلمان و الشاعر عثمان المنصور - و كان المربد مربدا و العراق عراقا و الشباب شبابا و الشعر القا ً جميلا ً يشرق على عالمنا و كان المربد يعج و يضج و يحتفل بشعراء العرب الكبار - نعم الكبار - فلا ارى حقا اليوم ما يمكن القول عنه كذلك - كان هناك المرحوم نزار قباني و الشيخ الجواهري شاعر العرب الاكبر و الشاعرة الرقيقة لميعة عباس عمارة و الفيتوري و - اليمنيان- محمد سعيد جرادة و يوسف عفيف مطر - و بولند الحيدري - و احمد دحبور و الشاعر الجنوبي الشهيد موسى شعيب و الراحل الشاعر الرقيق الدكتور مصطفى كمال الدين ... و غيرهم الكثير و الراقي و كنا نتسقط لقاء عابر معهم لحبنا لهم و للشعر وحظينا بالفعل بلقاء قصير مع الشاعر نزار قباني و كتب لنا بعضا من شعره في مذكرات كنا نكتب نحن عليها قصائدنا و كانت ليلة ممتعة - ليلة تضج بعبق الشعر والشعراء و كنا عصرا ننتظر وصول الشعراء بحافلات الوزارة - وزارة الاعلام - و هي تقلهم الى بهو الادارة المحلية -- الذي كان يشغل بناية انيقة و جديدة في منطقة الجنينة في البصرة - و مرق الشاعر نزار قباني بطوله الفارع و بوسامته علينا و دلف الى داخل المبنى و تقاطر الشعراء كالابطال القوميين حيث كنا نقابلهم بحب و حفاوة و سعادة - و كنا نمني انفسنا بليلة جميلة من الشعر تعبق بعكاظ البصرة - المربد الجديد- و لا يمكن ان ننكر ان وزارة الاعلام في ذلك الوقت كانت تغدق بكرم برمكي على شعراء الامة و كان العراق في اوج صعوده النفطي و الاقتصادي و استتباب الوضع لحزب البعث - المهم بقينا لوقت متاخر الى ان واكبت عيوننا رحيل الشعراء الى دار استراحتهم في فندق شط العرب الجميل و ربما اماكن اخر لكبر وفد الشعراء - و تمر السنون و نحن نواكب دواوين نزار قباني نقتنيها و نقرأها- و بالطبع لم يقتصر الامر عليه فهناك رموز شعراء الامة - و لكن نزار كان و لا زال و سيبقى ظاهرة تتفرد بطبيعة المفردة و خصوصية الرؤى و الثقافة و لكون الرجل يملا الوطن شعرا و تمردا فقد كنت اظنه لا يموت حتى انني كتبت في احدى خواطري انني صدمت و شعرت بالاسى لموت ثلاثة هم نزار قباني و عمي الحاج صالح العنبر و الرئيس الامريكي الاسبق - رونالد ريغان - و طبعا هذا لا يعني انا من المدافعين عن سياسة ريغان لكني اراه من الرؤساء الذين يتمتعون بحضور دولي و كاريزما قوية و احترام بين زعماء العالم - لكني لحيوية هؤلاء و حبهم للحياة و اثارهم في غيرهم - كنت اعتبر موتهم خسارة عامة و ليست خاصة - و لاشك في ان الزمن الذي كنا نعيشه و نحن على ابواب الجامعة كان زمنا مفعما بالفكر والشباب و الامل - نسعد و نقرأ و نمرع بعالم جميل من الفكر والمبدعين - كان للظهيرة طعم خاص و نحن نلوذ بجريدة تتكلم عن نزار قباني او ان مجلة الاذاعة و التلفزيون العراقية الجميلة الغنية بمواضيعها تنشر قصيدة للشاعر قباني و بخط يده - وصفة عربية لمداواة العشق - و تدور الايام - و تندلع الحرب المدمرة بين العراق و ايران و يبدا الدمار بكل نواحي الحياة يمتد على مساحة العراق - و ياتي عام 1981 لتفجر السفارة العراقية في بيروت و تقتل الابنوسة النزارية - بلقيس الرواي - و نصاب نحن محبو الشاعر قباني بخاصة و الفكر بعامة بالحزن و الصدمة و تنطلق بكائيات نزار لبلقيس سيدة العشق العربي و يكتب مطولته الحزينة الجميلة لبلقيس فنصاب بالالم و الجرح و تفتننا القصيدة و تدور الايام و يرحل ابنه توفيق و يهد المرض الشاعر وبخاصة - السكري - و تبدا رحلة الفن الانيق بين نزار قباني و الفنان العراقي الرائع كاظم الساهر لينطلق الاثنان في رحلة فنية تالق فيها كاظم و رسخ نزار في ضمير وذاكرة شريحة واسعة من العرب شبابا وشيبا و تعد انطلاقة هذا الثنائي نصرا للشعر الانيق و خطوة متقدمة لرسوخ الفصحى - و تاتي الايام بما لم تزود - و تنقل الاخبار رحيل هذا العملاق بكل المقااييس لتختفي معه مرحلة جميلة من عمر الفكر والثورة في الوطن العربي - طبعا و عقود من شبابنا الجميل نحن و منهم انا كاتب هذه السطور الدكتور مصطفى مهدي حسين فانا الان تجاوزت العقد الستيني - و انا اولج عقد السبعين - زمن كان للكتاب و رائحة الورق و المطابع نكهة جميلة كان للشعر ما ليس له الان - و كان للثقافة العربية دفؤها و روعتها يوم كنا نتسابق على الكتاب و الجريدة و المجلات المشهورة كالاهرام و الهلال و العربي و طبيبك و غيرها - لقد انصرمت حقبة الشموخ العربي و ثورة الفكر العربي و الادب العربي والفلسفة العربية على يد عمالقة كتابها - و كان للامة وحدة الكلمة ولو صوريا لكنا سعداء بها - و جاء اليوم الذي نرى فيه هذا الوطن العربي قزعا و كسفا و دماء و العرب يقتلون بعضهم و يخربون ديارهم بانفسهم و تحولوا الى لاجئين في ديارهم و اصبحت ديارهم منافي لهم و لا تجد الآن بقعة الاو تئن من الجراح او تضج بالخيانة - عرب بملايين تزيد عن 300 يقادون بنظام سياسي عربي فاسد متمأرك و متصهين بفعل قادته لابطال و الشعب يندب حظه و يلعق جراحه - ان كل الذي كان وراء هذا المقال مشاركة السيدة ندى امين الاعور لمنشور جميل و صورة للذكرى تجمع الشاعر الرائع الراحل نزار قباني بزوجه العراقية الاعظمياتية - بلقيس الرواي فمن الشام الشعر الجميل و من العراق و دجلة الوجه الجميل - جدك الغيث إذا الغيم همى - يا زمااااااان الوصل بالأندلس - و آه يا زماااان ؟؟
كان الشاعر نزار قباني يلقى قصيدته في إحدى القاعات التي ضمت مهرجاناً شعرياً في بغداد عام 1962م فوقع بصره وهو يشدو بقصيدته على فتاة عراقية في العشرينات ، شديدة الجمال ، مليحة القوام ، تلاقت أبصارهما مرات ومرات فوقعت في قلبه ، فهام بها.
سأل عنها ، فعلم أنها بلقيس الراوي ، تعيش في الأعظمية في بيت أنيق ، يطل على نهر دجلة ، فتقدم لخطبتها من أبيها ، ولأن العرب لا يزوجون من تغزل في ابنتهم ، لم يوافق ، فعاد نزار حزيناً إلى أسبانيا حيث كان يعمل في السفارة السورية.
ظلت صورة بلقيس تداعب خياله ولا تغرب عن باله ، لكنه ظل يتبادل معها الرسائل في غفلة من الوالد.
بعد سبع سنوات عاد إلى العراق ليشارك في المربد الشعري وألقى قصيدة أثارت شجون الحضور ، وعلموا أنه يحكى فيها قصة حب عميقة ، فتعاطف معه الشعب العراقي بأسره ، كان يقول في قصيدته:
مرحباً يا عراقُ، جئت أغنيك
وبعـضٌ من الغنـاء بكـاءُ
مرحباً، مرحباً.. أتعرف وجهاً
حفـرته الأيـام والأنـواءُ؟
أكل الحب من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتـها النسـاء
كل أحبابي القدامى نسـوني
لا نوار تجيـب أو عفـراءُ
فالشفـاه المطيبـات رمادٌ
وخيام الهوى رماها الـهواءُ
سكن الحزن كالعصافير قلبي
فالأسى خمرةٌ وقلبي الإنـاءُ
أنا جرحٌ يمشي على قدميه
وخيـولي قد هدها الإعياءُ
فجراح الحسين بعض جراحي
وبصدري من الأسى كربلاءُ
وأنا الحزن من زمانٍ صديقي
وقليـلٌ في عصرنا الأصدقاءُ
كيف أحبابنا على ضفة النهر
وكيف البسـاط والنـدماءُ؟
كان عندي هـنا أميرة حبٍ
ثم ضاعت أميرتي الحسـناءُ
أين وجهٌ في الأعظمية حلوٌ
لو رأته تغار منه السـماءُ؟
نقلت القصة إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، فتأثر بها فبعث بوزير الشباب الشاعر شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية، والشاعر شاذل طاقة، ليخطباها لنزار من أبيها ، عندها وافق والدها فتزوجا عام 1969 ليعيشا أجمل أيام حياتهما.
وبعد عشر سنوات من الزواج والترحال قال فيها قصيدة غناها كاظم الساهر مطلعها :
أشهدُ أن لا امرأة ً
أتقنت اللعبة إلا أنتِ
واحتملت حماقتي
عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت على جنوني مثلما صبرت
وقلمت أظافري
ورتبت دفاتري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنتِ ..
ما أن أشرق عام 1981م ، وبعد أن استقر بنزار وزوجته المقام في بيروت ، حيث كانت بلقيس تعمل في السفارة العراقية ، حتى كان الخامس عشر من الشهر الأخير من عام 1981 ودعها نزار لتذهب إلى عملها وتصافحا فتعانقا فتفارقا ، فذهبت إلى عملها وذهب نزار إلى مكتبه بشارع الحمراء ، وبعد أن احتسى قهوته سمع صوت انفجار زلزله من رأسه إلى أخمص قدميه، فنطق دون شعور، قائلاً : ياساتر ياربي ، وما هي إلا دقائق حتى جاءه الخبر ينعي له محبوبته التي قتلت في العملية ومعها 61 من الضحايا ، فكتب فيها قصيدة رثاء لم يكتب أطول منها في حياته، ولا أجمل منها في مسيرته الشعرية هذه قصة الحب والإرهاب ، إنها قصة تؤكد أنه ليس للإرهاب قلب ، وليس له مبدأ ، وليس له إيمان.
جزء صغير من قصيدة "بلقيس"
شكراً لكم ..
شكراً لكم . .
فحبيبتي قتلت .. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيده
وقصيدتي اغتيلت ..
وهل من أمـةٍ في الأرض ..
- إلا نحن - تغتال القصيدة ؟
بلقيس ...
كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس ..
كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي ..
ترافقها طواويسٌ ..
وتتبعها أيائل ..
بلقيس .. يا وجعي ..
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
هل يا ترى ..
من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل ؟
يا نينوى الخضراء ..
يا غجريتي الشقراء ..
يا أمواج دجلة . .
تلبس في الربيع بساقها
أحلى الخلاخل ..
قتلوك يا بلقيس ..
أية أمةٍ عربيةٍ ..
تلك التي
تغتال أصوات البلابل؟

google-playkhamsatmostaqltradent