ميت يتنفس
ـــــــــــــــــــــ
ضباب كثيف متراكم لا ترى فيه إلا تحت أقدامك
وكأنه السماء بنورها الوهاج . نور كثيف يحجب الرؤية أم أنها قطرات ماء تتجمع فوق خصلات الشعر لتحيلها كما لو اشتعلت شيبا . جو ملئ بالقطرات والبرد يسرى في مفاصل الكون وتدب الخيول التي تجر العربات الكارو لا تراها وإنما تسمع طرقات اقدامها على الطريق وكذلك العربات تمرق عن يمينك ويسارك لا تسمع منها الا الصوت الآلي لأنها تشق الطريق الملتوي بقوه الالهام دون أن يرى سائقها بلا شك .
يتحرك الكون نحو اللا وجود فهذى يدى لا آراها الا أنني أشعر بها حين أقربها من وجهى لأزيل الثلج عنه فأثق في وجودها بلا رؤيه . تدب الحيوانات بأصوات ترعب قلوب الصغار كثير من النباح قليل من المواء وقطع الثلج الصغيرة تلف أعواد الفول والعيون تكابد وتبرق كي تكشف منعطفات الطريق ..
ويقف عسكري المرور داخل حانوته الخشبي الذى يشبه التابوت ينام واقفا فيه كالحصان واضعا يداه متشابكان تحت رأسه وفى الأفق يمرق طفل صغير يشق الضباب الكثيف بجسده الحاد وجه يلتف بالثلج يتحرك كنمله وسط الجيوش يضع حقيبته فوق ظهره بأحزمة على كتفيه ويرتدى قفازا جلديا كي لا تتجمد أنامله من البرد فلا تقوى على إمساك القلم . ومازال العسكري يضع رأسه داخل التابوت وبالطبع معها جسد كبير وكأنه ألف جسد أنهكه السهر. يفتح عينيه على مفرق الطريق ليرى العربات المخالفة للقوانين تسير بفوانيس محطمه ولكنه ما يلبث أن يغمض عينيه مره أخرى حتى يشب في أعماقه صوت ...انظر واكتب الارقام المخالفة ....ولكن كيف يرى هذه الارقام الصغيرة من خلف هذه النظارة الطبية في هذا الضباب ؟ فيريح الصوت داخله بصوت آخر ..نم ولا تقلق فإن كل شيء تمام ..ويضغط على عينيه لتهبط النظارة رويدا على مؤخره أنفه فيخلعها ويدسها في جيب سترته ..
فحينما يسمع بأذنيه التي لا يستطيع لهما غلقا صوت صراخ الأفق ويدوى داخل التابوت أخرج نظارته مره أخرى وارتداها وبالطبع لم يرى شيئا كعادته وماهي الا لحظه وصمت الصراخ وعاد الهدوء من جديد فعاد فخلعها ولكن لم يهنأ طويلا حتى سمع طرقات أقدام تدنو من الحانوت فضغط على عيونه ليوقظ حاسة الابصار فيها حتى رأى الضابط بدوريته الراكبة فوضع يده على جبهته وطرق الارض في حركه آليه بتعظيم سلام وعيناه زائغتان على الدبابير الكثيفة التي تغطى اكتاف الرجل وقال كلمته التي يرددها يوميا (تمام يا أفندم ) وتلقاها الآخر على أذنيه المختبئتان تحت خصلات شعره المهندم وكأنما إعتاد عليها هو الآخر .وأومأ برأسه وركب سيارته التي تشق الضباب بصفير وأضواء ..
وأخيرا أخذت الشمس مكانها المعتاد في كبد السماء متكوره بيضاء تشبه القمر ولكن ما لبثت أن أخذت تنمو خلف قطع الضباب لتفتت ظلامه وتنشر أشعتها على جبين الأرض . حتى يرى كل واحد منا نفسه
ويستيقظ النائمون فأجرى معهم للالتفاف في حلقه إنه الطفل المارق في الضباب قبلا يغرق في دمائه .. دماء حقيقيه وليست من أساطير الضباب .. دماء بشريه ...
ومن هنا رأى العسكري بعد خروجه من تابوته الخشبي أن كل فوانيس السيارات محطمه .. كيف يستطيع النكران وتلك الأنوار تكذبه وضوء الشمس يفقأ عينه