ثقافة التكاتك .. بقلم وألوان :*خالد سليمان
**************************************************
التوكتوك ليس وسيلة مواصلات خفيفة للطرق التي تعجز عن السير فيها السيارات ، لا وألف لا ، إنّه ثقافة فرضها علينا تقصيرنا في تثقيف أنفسنا وإهمالنا لنمونا العقلي والعاطفي ..
التوكتوك حالة انحطاط وتدن فرضت نفسها بعد انسحابنا الغبي من مجالات العلم والثقافة ،
ثقافة التوكتوك فرضت نفسها على إيقاع حياتنا ، حيث تحولنا جميعا إلى تكاتك ، فقدنا التواصل الراقي ،
وبحثنا عن التدني في كل شيء حتى صار رأس الإنسان وهو أشرف ما فيه إلى سلة مهملات منحطة في التفكير ،
حتى أحلامنا فرض التوكتوك نفسه عليها .
أحيانا أنظر إلى الناس فأجدهم تكاتك مختلفة الألوان فقط ، ولكنهم في طريقة التفكير متشابهين ، وفي طريقة الانفعال مشتركين ،
إنّهم أنماط واحدة ، في التفكير والانفعال ، والعجيب كلما مرّ يوم تزداد التكاتك ويزداد معهم المتقمصين لشخصية التكاتك .
فقد الناس التقدير والرقي في التعامل ،
ما إن يختلف اثنان منهم حتى يشتبكان بالأيدي ، فلا كلام ولا عتاب بل رفس ونطح ودماء ،
فقدنا الحوار وحسن الظنّ في التعامل ، وتبدلت عواطف الناس فصاروا يحبون ويكرهون على طريقة التيك أوي أو الوجبات السريعة ،
فتجد فلانا أحب فلانة اليوم وخطبها ، وبعد يوم أو يومين أو أسبوع على الأكثر ، قد ارتبط بأخرى ، وتسمع عن حب جديد كما يسمّيه بعض الغافلين من التكاتك المتدنية ..
أحب اليوم وفارق غدا ...
منذ أسبوع تقريبا كنت في شرفتي أمتع نفسي بوجبة الغروب الرائع الذي أهمله الناس ،
فالناس لا ينظرون للسماء إلا إذا كانت هناك فرقعة فقط ، وحرموا أنفسهم من وجبة جمال تشحن الروح بالتأمل الجميل والأنس الربّاني الكريم .
وبينما كنت في شرفتي سمعت صوت أغنية هادرة من توكتوك لم أسمع منها أو أفهم سوى : أوعدك ، أضربك وربما قال : أرفسك ، أنطحك لا أدري وضحكت ضحكا هادرا كأنما صعقتني الأغنية .
وعلى بعد مسافة قريبة من بيتي مساكن شعبية ، أعرف بعض سكّانها بحكم الجوار ، وفي الطابق الثاني منها رجل فاضل عالم ، ربما يكون متشددا في أفكاره ، لكنّه ملتزم بأخلاقيات رائعة ليست لديّ على الأقل ، فزوجته وبناته محجبات حتى عند نشر الملابس تجدهن منقبات بشكل راق - جزاهن الله خيرا على ذلك - ،
وبينما كنت أستمع للتوكتوك الذي يتقيّأ علينا بأغنية : أوعدك أضربك لا أدري ، وإذا بي أرى نافذة شقة العالم الفاضل تفتح بعنف ،
فقلت في نفسي : وقعت الواقعة ، فالشيخ الفاضل سيعترض بعنف على ما يحدث ،
وهيأت نفسي أنني سأرى مباراة كلامية ربما تؤدي إلى مبارة في المصارعة بعد ذلك ،
وبينما أهيّئ نفسي لذلك ، علا إيقاع أغنية ( أوعدك ) ، وبدا كأنّ الميدان كله هو الذي يغني ويرقص ،
وفجأة خرج من نافذة الشيخ طفل في العاشرة يرقص على إيقاع الأغنية بطريقة عنيفة عجيبة ،
فلقد تحول الطفل إلى موجات كهربية صاعقة تتلوى ، تظنه قميصا تمضغه الريح من كثرة التلوّي والتثنّى ،
حتى كادت كل خلية فيه تنطق بـ أوعدك ....... ، تأملته وأنا أضحك بطريقة عجيبة من هول ما أرى وأشاهد ،
وكنت بين كل لحظة وأخرى أتأكد من أنّ هذه النافذة في بيت عالمنا المفضال ، ومن دهشتي كنت أصفق من العجب ،
فالطفل قد رقص بطريقة شيطانية كأنّما تتخبطه الأبالسة من المسّ ،
فقلت في نفسي : أيعقل هذا ؟؟ ابن الشيخ العالم المفضال يكون هكذا ؟؟!! .
وجالت بنفسي أسئلة : كيف نبت هذا الطفل ؟
وأين شيخنا المفضال من التربية والتوجيه ؟؟
وما المراجع العلمية التي تلقاها هذا الصبي ليتحوّل بتلك المهارة إلى هذا الراقص ؟
وعلى يد من تلقى هذا التدريب ؛ ليكون بتلك المهارة ؟
أعدكم لو أنني عرفت الإجابة منه سأخبركم .