recent
أخبار ساخنة

الأديب. سليم عوض عيشان يكتب/فلسطين

الصفحة الرئيسية

" فلسطين " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
( أخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل ) .

" في الذكرى السبعين للنكبة ... تخليداً لشهداء مسيرة العودة وكسر الحصار " والتي ذهب ضحيتها أكثر من ستين وشهيد وثلاثة آلاف جريح .

إهداء خاص :
إلى روح الطفلة " فلسطين " الشهيدة ..
وإلى  " فلسطين " الوطن السليب ..
وإلى أرواح  كل الشهداء؛ والشهداء الأطفال في " مسيرة العودة وكسر الحصار عن غزة " - التي جرت أحداثها قبل وبعد تاريخ 14/5/2018م .. وما زالت ..
رحمهم الله ورحم جميع الشهداء رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته ... اللهم آمين ...

مقدمة :
أحداث النص وشخصية بطلته مستوحاة من الأحداث التي حدثت على أرض الواقع في غزة  الحبيبة الغالية ... وليس من فضل للكاتب على النص .. اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب ..
( الكاتب )
-------------------------

" فلسطين " ؟؟!!
" فلسطين " أنا .. هكذا أسماني أبي وأسمتني أمي منذ يوم مولدي .. منذ  لحظة مولدي .. بل وقبل أن أرى النور بكثير ..
كم كان يحلو للكثيرين أن يداعبونني ويناكفونني عندما كانوا يطلبون مني أن أنطق اسمي رغم أنهم كانوا يعلمون ذلك وبشكل جيد .. فمن في الأسرة والعائلة والحي والمدينة لا يعرفني .. ولا يعرف  اسمي ؟؟ .. ولكنهم كانوا يقصدون التمتع بسماع بتلك " اللثغة " الجميلة المحببة التي تصدر عني عندما كنت أنطق اسمي ببراءة متناهية " فلثتين " .
البعض كان يدعي بأنه لم يسمع صوتي وأنا أنطق اسمي ؛ فيطلب مني أن أعيد نطقه مرة أخرى .. فأهتف من جديد بسعادة وبراءة " فلثتين " .
فلا يلبث الجميع أن تغمرهم السعادة والحبور ويستولي عليهم السرور وهم يستمعون لطريقة نطقي لحروف اسمي بتلك " اللثغة " الجميلة المحببة ؛ فلا يلبث أن ينبري آخر وهو يقترب مني بهدوء وهو يتمتم :
- أنا لم أسمع صوتك .. فأرجو أن ترفعي صوتك قليلاً .
فأبادر إلى رفع عقيرتي وبقدر ما أستطيع هاتفة :
- قلت لك " فلثتين " ..
فيضج الجميع بالضحك وقد استبدت بهم  النشوة وسيطرت عليهم السعادة والسرور من جديد .
كم كان أبي يسرد على مسامعي  تلك الذكريات الجميلة التي كانت قبل النكبة ... وكم كانت أمي تشدو بأجمل الأغاني والأهازيج والموشحات والمواويل التي ورثتها عن أمها .. عن جدتها ..
فلا يكاد يمضي يوم .. ليلة .. ساعة .. لحظة ؛ دون أن تكون الذكريات محور حديثنا .. ودون أن يتردد على ألسنتنا أجمل اسم في الوجود " فلسطين " .. ألف مرة .. مليون مرة .. فكنت في كل مرة اشعر بالسعادة والحبور .. لأن اسمي قد اقترن  باسم وطني الحبيب  .. فأصبحنا وكأننا كيان واحد  .
وكم أبديت رغبتي  الأكيدة بالعودة إلى " فلسطين " .. " فلسطين " الوطن .. وكم كنت أردد رغبتي الأكيدة بالموت على ثرى " فلسطين " .. وفوق ترابها .
سبعون عاما عمرها ... أقصد النكبة ..
سبعة أعوام ...أقصد سني عمري .
ورغم ذلك ؛ فلم ينفك الجميع عن مداعبتي ومناكفتي رغم أنني قد أصبحت أنطق حروف اسمي بشكل  سليم وصحيح ..  ولم أعد أنطقه بتلك " اللثغة " القديمة المحببة التي كانت .
لم أخفِ رغبتي الأكيدة  بالعودة إلى وطني .. " فلبسطين " فلقد سيطرت هذه الأمنية على كل كياني ومشاعري وأحاسيسي  ؛ وأصبحت حلم نومي وصحوتي .
صباح هذا اليوم ؛ الرابع عشر من شهر مايو لسنة ثمانية عشر وألفين .. كان والدي يعد العدة للمغادرة بصحبة والدتي وأشقائي الأكبر .
في الليلة الفائتة .. كان محور الحديث يجري ويدور بين الجميع حول " مسيرة العودة  وكسر الحصار " ؛ والنية المؤكدة لدى الجميع بالمشاركة في المسيرة والتي ستجري منذ الصباح الباكر ..
وطدت العزم على مرافقة الجميع للمشاركة  .. وأبديت الرغبة الأكيدة لوالدي بمرافقتهم  فأبدى اعتراضه على الأمر كوني ما زلت طفلة صغيرة على مثل تلك الأمور .. حاولت جهدي أن أقنعه بأنني لم أعد طفلة صغيرة ؛ فأنا قد بلغت السابعة من عمري .. وها قد أصبحت أنطق اسمي بشكل صحيح  دون تلك " اللثغة " التي كانت ... وبأن من حقي أن أشارك في مسيرة العودة لفلسطين .. خاصة وأنني أحمل اسمها أيضًا .
.. بعد لأيٍ شديد ؛ استطعت أن أقنع والدي بمرافقتهم بعد أن استعنت ببعض الدموع كي تشفع لي ... وبعد أن اشترط عليّ والدي أن أكون في الصفوف الخلفية البعيدة عن مرمى نيران أسلحة العدو وحمم موته .. ولم يسعني سوى أن أكفكف دموعي .. وأرسم ابتسامتي وأعلن موافقتي .
لم أحمل معي طعامًا أو شرابًا .. كل ما حملته كان قطعة قماشية بألوانها الجميلة الرائعة .. والتي قمت بدوري بكتابة اسمي عليها بخط واضح وجميل .. " فلسطين " .
المئات  .. الآلاف ... عشرات الآلاف  .. مئات الآلاف  .. من شتى المشارب والأطياف .. كانوا قد سبقونا  إلى المكان .. رجال .. نساء .. شبان .. عجائز .. مسنين  وأطفال .. أمواج بشرية متلاحقة تبز أمواج بحار ومحيطات الكون كله ..
هدير .. صخب .. ضجيج .. نداءات .. هتافات .. تهليلات .. تكبيرات ..
صراخ .. دخان .. قنابل .. رصاص  .. غاز .. طائرات ..
اختلطت الأصوات كلها في النهاية لتكوّن سيمفونية غريبة ؟؟!!
ثمة صوت هادر مجلجل يرتفع هادراً عبر مكبرات الصوت :
" الله اكبر ... الله اكبر " ...
الشهيد الأول في مسيرة  العودة وكسر الحصار يستشهد الآن ..
ترتفع التهليلات ... التكبيرات .. النداءات ... أحمل العلم وأهرع إلى المكان .. ثمة شاب صغير يسقط شهيد ... أذوب  في الأمواج البشرية المتدافعة التي كانت تتحلق حول الشهيد .. أدقق النظر إليه .. أراه يبتسم  ابتسامة بعرض السماء .. تتبادر إلى ذهني كلمات أمي التي كانت ترددها دائماً :
" الشهداء يدخلون الجنة " ..
الشهداء دوماً يبتسمون عندما يستشهدون ؛ لأنهم يرون مكانهم في الجنة " .
الصوت الهادر يرتفع مجلجلاً من جديد ..
" الله اكبر الله اكبر "
الشهيد الثاني يستشهد الآن ..
الشهيد العاشر ... العشرون ..  الأربعون ....
الصراخ والتهليل والتكبير يتردد في جنبات الأرض وأرجاء السماء .. الشهيد تلو الشهيد ..
الشباب والرجال .. النساء والمسنين .. يتدافعون نحو الأسلاك الشائكة الزائفة .. لا يحملون سلاحًا سوى سلاح الإيمان بعدالة قضيتهم وعدالة مطلبهم وحقهم بالعودة لأرض الوطن .
العدو يسرف في القتل .. يفقد صوابه  ... يجن جنونه .. يطلق النيران بكثافة على صدور .. قلوب ... رؤوس المشاركين في المسيرة السلمية ..
" الله اكبر الله اكبر "
الشهيد الخمسون ...
أحمل الراية بيدي .. أتوجه ناحية الوطن الحبيب .. نحو فلسطين الحبيبة .. بعد أن تم انتزاع الأسلاك الشائكة .. أجتاز الحدود الوهمية  التي تفصلني عن أرض الوطن .. العدو يوغل في القتل .. الشباب والرجال لا يهابون الموت ولا الرصاص والا قنابل الغاز المميتة ..
الله أكبر الله اكبر "
الشهيد الستين ...
لا أبالي بالموت .. ولا برصاص العدو المنهمر من حولي كالمطر .. ولا بقنابل الغاز السام التي يقذفها نحو الجميع ...
" الله اكبر الله اكبر "
الشهيدة .. طفلة ...
أسقط على الأرض .. وسط بحيرة من الدماء من حولي ..
قبل أن أغيب عن الوعي تمامًا  .. وقبل أن تمتد نحوي آلاف الأيدي لتحملني على الأعناق .. كنت ألثم تراب الوطن المخضب بالدماء ... أقبل تراب الوطن المعبق بأريج الدماء .. دمائي ودماء الشهداء من حولي ..
كنت أتمتم بهمس :
" ها قد تحقق حلمي .. ها قد تحقق أملي ... ها أنا أعود إلى وطني .. إلى " فلسطين " .. ها  أنا أموت على ثرى وطني " فلسطين " ... وثمة ابتسامة ملائكية رائعة بعرض السماء ترتسم على وجهي  ... تتبادر إلى ذهني كلمات أمي التي كانت ترددها دائماً :
" الشهداء يدخلون الجنة " ..
الشهداء دوماً يبتسمون عندما يستشهدون ؛ لأنهم يرون مكانهم في الجنة " .

(( انتهى النص ... ولم تنته الملحمة البطولية ...  وما زال صوت الطفلة يتردد في الآفاق : ... 
" ها قد تحقق حلمي .. ها قد تحقق أملي ... ها أنا أعود إلى وطني .. إلى " فلسطين " .. ها  أنا أموت على ثرى وطني " فلسطين " ...
وثمة ابتسامة ملائكية رائعة بعرض السماء ترتسم على وجهها  ... وثمة  كلمات كانت ترددها أمها دائماً تتبادر إلى ذهنها :
" الشهداء يدخلون الجنة " ..
الشهداء دوماً يبتسمون عندما يستشهدون ؛ لأنهم يرون مكانهم في الجنة " .
)) ..

google-playkhamsatmostaqltradent