recent
أخبار ساخنة

الأديب. سليم عوض عيشان يكتب/العودة

في الذكرى السبعين للنكبة
والتي تصادف 15/5/2018م
=============
(( العودة ... )) ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )
------------------------------------

تقديم :
عندما دخلت الجيوش العربية في الحرب سنة 1948م ..
طلبت تسليم كل أسلحة الثوار ؟؟!!
.. وطلبت خروج كل السكان من الديار ؟؟!!
تنويه :
        أحداث وشخوص النص حقيقية حدثت على أرض الواقع ..  وليس للكاتب من فضل عليها سوى الصياغة الأدبية فحسب .

إهداء :
إلى بطل النص الحقيقي ..
وإلى كل من ينتظرون العودة ...

مقدمة :
عندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين من أجل إنقاذها من بطش العدو الصهيوني ..
طلبت من جميع الثوار تسليم أسلحتهم التي كانوا قد قاموا بشرائها من أموالهم الخاصة وحلي نسائهم .. وذلك بذريعة عدم الفلتان العسكري والأمني ؟؟!! أو استعمال السلاح ضد الجيوش العربية التي دخلت الحرب ؟؟!! .
وطلبت من السكان الآمنين مغادرة البلاد والتوجه إلى مناطق قريبة أكثر أمناً ( قطاع غزة والضفة الشرقية ) بحجة إتاحة الفرصة أمام الجيوش العربية للقضاء على العدو الصهيوني .. ووعدتهم  بأن الأمر سوف ينتهي سريعاً ولن يستغرق سوى عدة أيام قلائل يعودون بعدها إلى ديارهم سالمين غانمين بعد أن يكونوا قد قضوا إجازة " فسحة " ممتعة ؟؟!!.
( الكاتب )
-------------------------------

" العودة .... " ؟؟!!

.. صرخ فيهم بصوتْ هادر مجلجل مدو :
- .. هيا انهضوا .. هيا انهضوا جميعاً .. لقد آن الأوان .. لقد حانت ساعة الصفر .. هيا أيها النيام .. استيقظوا من سبات نومكم العميق .. فالأمور قد انتهت ... وعلينا أن نعود لقريتنا .. لأرضنا .. لبيتنا .. لزرعنا .. لبياراتنا .. هيا أيها النيام .. استيقظوا .. انهضوا .. هبوا .. هيا بسرعة .. فلقد انتهى كل شيء ؟؟!! .
.. لم يلبث الجميع أن نهضوا من الفراش .. كل سكان البيت الكبير .. الرجال والنساء .. الأطفال والشباب .. وذلك بعد أن تناهى إلى مسامعهم صوت الجد العجوز الهادر المدوي .. في ذلك الصباح المبكر .. وهو يطلب منهم النهوض من فراش النوم بسرعة ؟؟!!..
الجد العجوز .. لم يكن عجوزاً في الماضي .. فقبل عام النكبة سنة 1948م كان شاباً فتياً .. وطنيا حراً .. مناضلا ومجاهداً .. حمل البندقية التي كانت لجده ذات يوم .. ولأبيه بعد ذلك .. ثم آلت إليه في النهاية ..
حمل البندقية التليدة وانضم للثوار والمجاهدين  الذين كانوا يدافعون عن القرية والقرى المجاورة ضد العدو وفلول عصاباته المتوحشة ..
كم اشترك في المعارك التي دارت بين الثوار وعصابات العدو .. وكم صال وجال في ميادين المعارك .. يقبل بندقيته بعد كل طلقة كان يطلقها منها صوب العدو  .. وبعد أن تكون تلك الطلقة قد أصابت أحد جنود العدو إصابة مباشرة وقاتلة .. فتزغرد البندقية من جديد .. ويقبلها من جديد ..
عندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين للوقوف إلى جانب السكان والثوار .. بادرت بسحب جميع أسلحة الثوار بشتى الحجج الواهية .. وهددت كل من لم يمتثل للأوامر بالقتل والاتهام بالخيانة والتمرد .. فآثر بدوره أن يقوم بتسليم بندقيته – كالآخرين -  بعد أن ودعها بقبلة طويلة ودمعة حارقة .
.. وانضم لقوافل السكان الآمنين الذين طلبت منهم قوات ( بني خيبان ) ؟؟!! مغادرة البلاد لقضاء إجازة لمدة أسبوع أو أسبوعين على الأكثر في أماكن بعيدة عن ميادين المعركة لقضاء إجازة .. ولكي تتفرغ الجيوش العربية لمقارعة العدو وهزيمته في ميادين المعارك ؟؟!! .
ودع قريته وبيته بألف قبلة وقبلة .. بألف دمعة ودمعة .. وراح يتحدث إلى أحجار بيته وأشجار بيارته .. ويعدها بأنه سوف يعود إليها قريباً .. بل قريباً جدًا .. بعد أن تضع الحرب أوزارها .. وبعد أن تنتصر الجيوش العربية على العدو الصهيوني وتحرير البلاد ؟؟!! .
.. لقد وعدوه بأنهم سوف يفعلون ذلك الأمر في أقصر وقت ممكن !! فما عليه وعلى الجميع سوى الانتظار لعدة أيام قلائل فحسب .. حتى يتم القضاء على بني صهيون وفلوله وعصاباته ..
.. انضم الشاب الفتيّ إلى قوافل المغادرين .. وانتقلوا إلى البعيد البعيد ..
سكن بيتاً متواضعاً مع أسرته في إحدى ضواحي المدينة الكبيرة التي نزحوا إليها .. كان يمنى نفسه – كما الآخرين – بالعودة السريعة إلى قريته .. فما هي سوى أيام قلائل يعودون بعدها للقرية .. للبيت .. للبيارة .. للأرض .
... مضت الأيام سراعاً .. والشهور متوالية ..
سنوات وسنوات .. وهو لا زال يمني نفسه بالعودة .. فلقد وعدوه بالعودة ... وحتماً بأنه سوف يعود .. طالما أنهم وعدوه ؟؟!! .
سكن الخيمة المتواضعة مع الآلاف والآلاف من أمثاله في المخيم الكبير الكبير .. فتحمل ذلك على مضض ؛ على أمل المغادرة في كل لحظة بعد انتهاء المعارك والقضاء على العدو والعودة للبيت والأرض والقرية .
انتقل للسكني في تلك البيوت المتواضعة التي تم إنشاؤها لإيواء النازحين ( اللاجئين )  .. فتحمل الأمر على مضض .. فالأمنية ما زالت تعشش في نفسه وقلبه .. والأمل ما زال يسيطر على تفكيره .
السنوات تمضي سراعاً .. سراعاً ..
سبعون عاماً مضت .. وهو ما زال يعيش على أمل العودة وحلم الرجوع إلى القرية والبيت والأرض ..

وفي ذلك الصباح الباكر ...

.. صرخ فيهم بصوتٍ هادر مجلجل مدوٍ :
".. هيا انهضوا .. هيا انهضوا جميعاً .. لقد آن الأوان .. لقد حانت ساعة الصفر .. هيا أيها النيام .. استيقظوا من سبات نومكم العميق .. فالأمور قد انتهت ... وعلينا أن نعود لقريتنا .. لأرضنا .. لبيتنا .. لزرعنا .. لبياراتنا .. هيا أيها النيام .. استيقظوا .. انهضوا .. هبوا .. هيا بسرعة .. فلقد انتهى كل شيء ؟؟!! ." ..
هب الجميع من نومهم فزعين .. اندفعوا ناحية الرجل العجوز .. وقفوا مشدوهين .. تحلقوا من حوله متسائلين ..؟؟!! ..
كان قد جهز أشياءه ووضعها داخل أكياس وحقائب قديمة بالية مهترئة وقطع كبيرة من الأقمشة ( صرر ) ..
كان يحاول حمل تلك الأشياء بين يديه .. كانت ثقيلة بالنسبة له .. كرجل عجوز هدته السنوات الطوال وتقدم به العمر ..
.. راح يصرخ من جديد في الجميع من حوله :
" هيا .. ساعدوني في حمل هذه الأشياء .. هيا لنغادر .. 
.. هيا أسرعوا  .. هيا أسرعوا جميعاً .. لقد آن الأوان .. لقد حانت ساعة الصفر .. هيا أيها النيام .. استيقظوا من سبات نومكم العميق .. فالأمور قد انتهت ... وعلينا أن نعود لقريتنا .. لأرضنا .. لبيتنا .. لزرعنا .. لبياراتنا .. هيا أيها النيام .. استيقظوا .. انهضوا .. هبوا .. هيا بسرعة .. فلقد انتهى كل شيء ؟؟!! .

انتهى النص .. وما زال صوت الرجل المسن يدوي مجلجلاً في الفضاء ...

.. هيا أسرعوا  .. هيا أسرعوا جميعاً .. لقد آن الأوان .. لقد حانت ساعة الصفر .. هيا أيها النيام .. استيقظوا من سبات نومكم العميق .. فالأمور قد انتهت ... وعلينا أن نعود لقريتنا .. لأرضنا .. لبيتنا .. لزرعنا .. لبياراتنا .. هيا أيها النيام .. استيقظوا .. انهضوا .. هبوا .. هيا بسرعة .. فلقد انتهى كل شيء ؟؟!! .

google-playkhamsatmostaqltradent