نص من مجموعتي القصصية ( وشمٌ في ذاكرتي ) الصادرة عن دار المختار للنشر والتوزيع في القاهرة
حالة عشق..
وضع زهرة القرنفل الحمراء في حضنها، نظرت إليها، رفعتها بيد مرتجفة، وفتحت فمها.. تلقّفها منها، وأنزل يدها باعتذارٍ صامت.. "هل رأيت كم تعشق القرنفل الأحمر صغيرتي الحبيبة ؟ ".
لم أر شيئا، سوى صمتها، ووردة حمراء، كانت ستأكلها..
ـ أتدرين ماذا كتبت لها يوما؟.
ـ كلّي شوق لأسمعك.
أخرج ورقة من جيبه وأخذ يقرأ بصوت دافئ، عميق..
ـ حبيبتي، أتعرفين من لملم ضوء النجوم، وسكبه دفئا في عينيك؟.. كيوبيد، هو كيوبيد الذي يسكن النجوم، من فعل. ابتسم كيوبيد، وأنا ابتسمت.. كنت أراقبه بهدوء، سألته:"
ـ هل تسمعك؟
ـ كلماتي نغم ينساب إلى روحها.. اسمعي.. حبيبتي، هل تذكرين كيف جمّعت زهور البراري رحيقها، وسكبته شهداً في رضابك؟.
ـ الله، ما أحلى، وأعذب ما تقول!..
مستطردا، وهو ينظر بعينيها التائهتين.
ـ الشمس يا حبيبتي تشرق على جبينك، وتغرب فوق جدائلك.. وشقائق النعمان تكدّست، تنام وتغفو على شفتيك.
توقّف، وكأنه نسي شيئاً، ثمّ أردف..
ـ أتذكرين يا صغيرتي، حين نسج الليل خيوطه جدائلَ، فانسدلت بزهوٍ وبذخ فوق كتفيك.
دهشت لهذا الغزل الرقيق، ينطلق غناءً عذبًا من فم رجلٍ سبعينيّ، وكأنه عاشق صغير.يلتقي حبيبته أوّل مرّة. للحظة، تهيّأ لي طيف ومضة حبّ، طافت فوق محيّاها..
ـ كتبت لها كثيرا، ولا أزال أذكر ما كتبت، كلمةً كلمة، وحرفاً حرفاً.. وسأظلّ أكتب لها ما دام نفس في رئتي.
ـ وهي، أتظنّها تذكر ما كتبت؟.
ـ ألا ترين الابتسامة على وجهها تشرق؟.
نظرتُ، لم أر غير وجه شاحب، وعينين فارغتين تنظران إلى العدم، وجسم نحيل مصلوب على كرسيّ بارد، في غرفة باردة كالقبو. توقّف ثانية، كدت أحثّه أن يكمل، فقد انتشيت وحلّقت معه. وضع رأسه الفضيّ فوق يدها طفلاً ضائعاً جائعا، يرتمي في حضن أمّ لا تعرفه، هكذا وجدته، فصمتّ إجلالاً لتلك اللحظة، وأحنيت رأسي.
لمحت كيوبيد يحتضن قوسه وسهمه، حانياً هو الآخر رأسه بإجلالٍ لحالة عشق قدسيّة.. ملتفتاً نحوي، وبيده ورقته الحبيبة..
ـ خذيها، احتفظي بها، سرقتها من صندوق أسرارها.
بصوتٍ خاشع اقرأيها، هي لا تحب الضجيج..
وقرأتُ، آخر ما كتبَ:
ـ يا أنت، يا مرفأي ومنفاي.. أضعتُ فيك كبريائي، خاشعاً، متعبّداً، كراهب بوذيّ في محرابك ... نجمة تائهة، لا أزال حبيبتي، أهيم في مداراتك.. فجأة، انتفضت، بعنف دفعت رأسه، ألقت قرنفلته الحمراء أرضاً.. "من أنت؟ هل أعرفك؟.
ساد صمت كثيف.. سقط قوس كيوبيد بصمتٍ حزين، تسبقه دمعةٌ معتذرة..