قصة قصيرة
المبروك
تجده فى كل مكان من ارجاء القرية وضواحيها , يهرول هنا وهناك , قدومه قدم سعد يتسابق عليه أهل القرية ليحظى كل منهم بضيافته , يستريحون بجواره , حضوره يخفف عنهم أوجاعهم وهمومهم , يستطيع بيده البيضاء وقلبه الخالى من الدنيا أن يرسم البسمة على الشفاه اليابسة .. اعتاد أن يقضى سحابة نهاره جالساً عند مدخل القرية بالقرب من البحيرة .. حيث البيوت متلاصقة , تتكىء الجدران على بعضها البعض , تتسلل الشمس الذهبية عبر شبابيكها الملونة . عيناه كخضار البحر عند الغروب , وجهه كوجه القمر فى ليلة البدر , ترتسم عليه لحيته الذهبية , يتدلى شعره على كتفيه يخفيه بشال أبيض , تجده طويل القامة , عريض المنكبين , يظهر ويختفى من آن لآخر ولايعلم أحد من أين أتى .. ذات يوم , كان عائداً بمحازاة البحيرة .. كانت تنتظره أشجان التى ترى فيه صورة ملاكها الوسيم , وجدته أمامها يسير وحده قاصداً طريقه إلى الكوخ .. كاد قلبها يقع بين أضلعها , راحت تزهو بثوبها المورد وهى تتنقل بخطى ممزوجة بدلال .. لم يشعر بها , خطواته الهادئة تمزق أحشاءها . صرخت والقت بنفسها فى ماء البحيرة , دون أن تدرى .. انفرجت اساريرها عندما حملها بين يديه ودلف إلى الكوخ , خطى خطوتين إلى الداخل .. كان الكوخ فى حالة فوضى عارمة .. عيناه الصافيتان تطعنان قلبها , يداه الحانيتان تخنقان أنفاسها .. اسبلت عينيها وارتمت على الأرض , كانت الأحلام تداعبها والرغبة تلاحقها , انهيارها التام أصم أذنيها عن سماع صوته وهو يردد
: "الله حى .. الله حى " . عندما أفاقت قدم لها كوباً من الشاى .. تمتمت بصوت رفيع وعيناها تحدقان فيه
: لماذا أنقذتنى يا مبروك ؟ راح فى صمت طويل .. بينما يدها تعبث بشعره المنسدل على كتفيه وأردفت : ما أجمل عينيك ! نظرت حولها , وقد كشفت من جسدها اكثر مما أخفت تحت جلبابها المبتل الكاشف عن نهديها , اقتربت منه , التصقت به وتمتمت
: أنظر يا مبروك ألم أكن جميلة ! تصبب عرقا.. صرخ فى وجهها : ماذا تفعلين ؟ : النار يامبروك أريد أن أطفئها .. إن لهيبها يؤلمنى . يمزقنى .
:
ساقرأ لكِ بعضا من القرآن , حتى يهدأ قلبك .
: عجباً ألم تعرف كيف تطفئها ؟
راحت يدها تعبث بصدره .. ارتعد جسده .. نهض مذعوراً : عرفتها .. عرفتها . : هل ذقت حلاوتها ؟ : لا .... : لماذا يا مبروك ؟ : لانها جريمة محرمة . انقبض قلبها وسالت دموعها وهى تحاول تلملم خجلها .. نهضت بمحازاة الشاطىء تضرب الأرض بقدميها , وهى تلهث بحيث بدت أقدامها وكأنها لاتكاد تلامس الأرض , راح يرقبها وهى تعدو حتى اختفت بين الحقول .. وجهه يشع نورا والابتسامة تملأ محياه .
مجدى متولى إبراهيم