قصة قصيرة
مزاد
"ألا أنو ألا دوي ألا تريا " ينتهي المزاد فجأة قبل إن يفتح.يمسح سيول العرق التي أغرقت جسده النحيل. يتهاوى على الأرض ...يخرج من صدره زفرة هزيمة..يلطم خديه...يتلفظ بكلمات تكشف ما يتذوقه من مرارة " في نهاية الأمر باعوك...باعوك في سوق النخاسة وقبضوا الثمن...لم يكن بإمكانك أكثر مما كان...ولا لقولك مكان... " .ما حدث طيلة ثماني سنوات كان كابوسا .هيمنت الخيبة على العباد والبلاد .نشطت الصفقات المشبوهة...البحر ازدادت شهيّته...أصبح شرها أكثر من أي وقت مضى...ابتاع الشباب المزيد من المراكب.. وأصبحوا يردّدون "الوطن للأغنياء والموت لنا " .عادوا إلى أحلامهم حين رسموا خيولا أصيلة ...ركضوا بها داخل الحلبة...سابقوا الريح وأحلامهم ، لكنّهم لم يتمكنوا من مسايرة السباق وتجاوز الحواجز الموضوعة بإتقان .تهاووا... انكمشوا عاد كل واحد إلى شرنقته . قال أحدهم هذه البلاد منحوسة..." .
استحضر عودة الشباب من مراكز الايقاف بعد فشل رحلة هجرتهم وقد اجتمعوا بالمقهى يتقاسمون قهوة واحدة دون سكر...يخفون احساسا مدمّرا بالفشل ويتبادلون نفس الخواطر "الوضع أسوأ...اننا خارج دائرة الزمن والبشر...الساسة والوجهاء يحضنون كمية اللحم الحيّ التي تقاسمهم الفراش ليلا...ويضعون أياديهم على الثروات نهارا...الخير لنا والوطن للفقراء..." .
كنت أهرب من احاديثهم بالانغماس في قراءة الكتب . كنت أقرأ بنهم غريب عن الوطن ومعنى الوطنية و وعن الثروة الوطنية وعن رأس المال الوطني...كنت منشغلا عمّا يدور حولي وعن واقع هذه البلاد...كانت التحوّلات متتالية متسارعة بسبب خيارات الساسة...
لم أع ما يحدث إلا يوم المزاد...كان الزحام على أشدّه ...أخذت لي مكانا بين المتنافسين على الشراء...انها الرغبة في معرفة البضاعة المعروضة . تسلّلت بينهم إلى أ،ن صرت في الصفّ الاوّل...في مكان يسمح لي بالفرجة . عندها رأيتهم يرفعون عنها الستار ...رأيتها كما لم أرها من قبل ...ملامحها مشوّهة ، ارتفعت سهولها ، انخفضت مرتفعاتها ، جفّت مجاريها ، تفكّكت وحدتها ، أدمتها القيود...انكشفت عورتها ، انتهكت حرمتها ...كلّما حاولت حجب جسدها المرمري بالراية الحمراء الملقاة بجانبها نكّلوا بها أكثر وزادوا في التشفّي والتمتّع بألمها ...وارتفع صوت مؤذنا بفتح المزاد...شعرت بدوار وبتوسلاتها في ما يشبه النحيب ... اقتربت...اقتربت ... اقتربت أكثر...جنبتها ، ثمّ جلست قبالتها .أعشى نورها بصري ، فتسمّرت بمكاني كالصنم .خانني التدبير حيال هذا المزاد الرخيص...كان المشتري يستعد لدفع الثمن ، وكانت جراحها تزداد نزيفا...قلت لها "لابد من حلّ " لكنها لم تسمع...لم تردّ...
جعلني صمتها أقفز على الزمن وأسقط منه ثماني سنوات...كما صرت أشدّ حرصا على تجنّب لعبة السياسة والأحزاب ،وأقلّب الفرضيات المزاد وهم أم حقيقة ؟
ثمّ تتضح أمامي الروية قاسية موجعة صادمة ...ويحملني الزمن إلى أحداث أكثر ارباكا . تتعدّد المزادات ويكثر المزايدين والمعروض دائما الخضراء .
رياض المساكني (انقزو)
تونس
مزاد
"ألا أنو ألا دوي ألا تريا " ينتهي المزاد فجأة قبل إن يفتح.يمسح سيول العرق التي أغرقت جسده النحيل. يتهاوى على الأرض ...يخرج من صدره زفرة هزيمة..يلطم خديه...يتلفظ بكلمات تكشف ما يتذوقه من مرارة " في نهاية الأمر باعوك...باعوك في سوق النخاسة وقبضوا الثمن...لم يكن بإمكانك أكثر مما كان...ولا لقولك مكان... " .ما حدث طيلة ثماني سنوات كان كابوسا .هيمنت الخيبة على العباد والبلاد .نشطت الصفقات المشبوهة...البحر ازدادت شهيّته...أصبح شرها أكثر من أي وقت مضى...ابتاع الشباب المزيد من المراكب.. وأصبحوا يردّدون "الوطن للأغنياء والموت لنا " .عادوا إلى أحلامهم حين رسموا خيولا أصيلة ...ركضوا بها داخل الحلبة...سابقوا الريح وأحلامهم ، لكنّهم لم يتمكنوا من مسايرة السباق وتجاوز الحواجز الموضوعة بإتقان .تهاووا... انكمشوا عاد كل واحد إلى شرنقته . قال أحدهم هذه البلاد منحوسة..." .
استحضر عودة الشباب من مراكز الايقاف بعد فشل رحلة هجرتهم وقد اجتمعوا بالمقهى يتقاسمون قهوة واحدة دون سكر...يخفون احساسا مدمّرا بالفشل ويتبادلون نفس الخواطر "الوضع أسوأ...اننا خارج دائرة الزمن والبشر...الساسة والوجهاء يحضنون كمية اللحم الحيّ التي تقاسمهم الفراش ليلا...ويضعون أياديهم على الثروات نهارا...الخير لنا والوطن للفقراء..." .
كنت أهرب من احاديثهم بالانغماس في قراءة الكتب . كنت أقرأ بنهم غريب عن الوطن ومعنى الوطنية و وعن الثروة الوطنية وعن رأس المال الوطني...كنت منشغلا عمّا يدور حولي وعن واقع هذه البلاد...كانت التحوّلات متتالية متسارعة بسبب خيارات الساسة...
لم أع ما يحدث إلا يوم المزاد...كان الزحام على أشدّه ...أخذت لي مكانا بين المتنافسين على الشراء...انها الرغبة في معرفة البضاعة المعروضة . تسلّلت بينهم إلى أ،ن صرت في الصفّ الاوّل...في مكان يسمح لي بالفرجة . عندها رأيتهم يرفعون عنها الستار ...رأيتها كما لم أرها من قبل ...ملامحها مشوّهة ، ارتفعت سهولها ، انخفضت مرتفعاتها ، جفّت مجاريها ، تفكّكت وحدتها ، أدمتها القيود...انكشفت عورتها ، انتهكت حرمتها ...كلّما حاولت حجب جسدها المرمري بالراية الحمراء الملقاة بجانبها نكّلوا بها أكثر وزادوا في التشفّي والتمتّع بألمها ...وارتفع صوت مؤذنا بفتح المزاد...شعرت بدوار وبتوسلاتها في ما يشبه النحيب ... اقتربت...اقتربت ... اقتربت أكثر...جنبتها ، ثمّ جلست قبالتها .أعشى نورها بصري ، فتسمّرت بمكاني كالصنم .خانني التدبير حيال هذا المزاد الرخيص...كان المشتري يستعد لدفع الثمن ، وكانت جراحها تزداد نزيفا...قلت لها "لابد من حلّ " لكنها لم تسمع...لم تردّ...
جعلني صمتها أقفز على الزمن وأسقط منه ثماني سنوات...كما صرت أشدّ حرصا على تجنّب لعبة السياسة والأحزاب ،وأقلّب الفرضيات المزاد وهم أم حقيقة ؟
ثمّ تتضح أمامي الروية قاسية موجعة صادمة ...ويحملني الزمن إلى أحداث أكثر ارباكا . تتعدّد المزادات ويكثر المزايدين والمعروض دائما الخضراء .
رياض المساكني (انقزو)
تونس