ذقن غريب
مرّر غريب يده على وجهه فأحس بوخزات موجعة تعدى ألمها أنامله ليكتنفه كله. اشتدّ ألمه وارتاب في أمره. يبدو انه نسي حلق ذقنه لفترة طويلة.
وقف غريب أمام المرأة وبقي يتأمل صورة انعكست على سطحها بدت غريبة عنه. ظلّ يجهد نفسه للتعرّف على صاحبها حتّى انه خال للحظات انه ليس هوّ. لكنّ المرآة تشقّقت وتطايرت شظاياها في أرجاء المكان وفي الذاكرة. عاد إليه متعقّبا ما من شانه أن يبدّد حيرته. "ما هذا الذي يؤلمك يا غريب؟ اهوّ نبتك اخضرّ وقسا بهذه السّرعة أم هوّ الخوف من هذا الذي صرت تشترك فيه وبعض المشايخ؟ أنت لم تكن منهم ولن تكون. ما الذي يفزعك إذا؟ لقد عملت منذ وعيت على حصد هذا النبت...على حلق ذقنك كل صباح كي لا تشتد بك الحيرة ولا يداخلك شك ولا خوف. بل إنك كنت لأحرص على أن لا تدخل تحت جبة شيخ وعلى أن لا تبقى ظلا في الأرض. أنت لست من المشايخ ومع ذلك تأبى ذقنك الانصياع لك فتطول وتنساب في تحد صارخ. أأصبحت غريبا حقا؟"
يقطع صوت منبعث من مئذنة المسجد على غريب وحدته وهواجسه مناديا للصّلاة. وكلّما ارتفع الصوت تنساب ذقنه. همّ بالسير ولكنه أحس بثقل حركته وبشيء يقيّدها. بحث يسارا فلم يظفر بما يكبله. نظر يمينا فأرعبته تلك الشعيرات الشّعثاء وهي تنبعث إلى الأعلى لتخترق حدود السماء ثمّ تنزل من جديد مثقلة بأدرانها لتستقرّ بين قدميه وتعمل على جذبه إلى أغوار أعمق حيث العتمة تزيدها الرؤوس الحليقة والذقون الطليقة سوادا ورؤوس أخرى بدت أقرب إلى حبات الملفوف.
لم يثر المشهد غريب ولكن ما أثار خوفه تكاثر تلك الرؤوس وزحفها نحو سطح الأرض.
يتردّد بداخله رجع حديث ألفه وارّقه كثيرا "تبا لك ولأمثالك يا غريب. كلّما اقتربت منك الحياة وأشرفت على الخلود ابتعدت عنهما. أتراك جاعلا الأرض على قرن ثور كلّما وخزته تحرك ولفّت؟ تذكّر إن الغريب من الغرابة والغربة. وأنت لست بغريب ولا تأتي بالغرابة. فلتوقف هذا الثور وتريح وترتاح. ابحث بداخلك عن حل. أنظر إلى يسارك فقد تجد ما به تحلق هذا الذقن"
يلتفت غريب إلى يساره فيجده مسجى في تآلف بديع مع يمينه وقد طالت هوّ الآخر ذقنه أكثر من الجميع.
رياض المساكني( انقزو)
تونس