recent
أخبار ساخنة

الذّئب المروّض- بقلم الأديب-رياض المساكني (انقزو)

الذّئب المروّض
منذ أن نسي المروّض غلق باب القفص أقبل الذّئب الفار الى غابة كثيفة أشجارها غزيرة مياهها كثيرة حيواناتها. ولأنّه روّض ولم يعد قادرا على مطاردة الفرائس قرّر البقاء. واختار الإقامة بالقرب من خليّة نحل وفير عسلها. وبذلك وفّر على نفسه مشقّة المطاردة والصيد. أقبل على العسل يختلسه في غفلة من أفراد الخليّة. بدأ العسل ينقص من يوم إلى آخر.تفطّنت الملكة إلى ذلك، وأحسّت بهول المصيبة. توجّهت إلى الذئب وخاطبته" من أنت؟ وما دفع بك إلينا؟ كائنا من كنت لا تفسد خليّتنا، ولا تسرق عسلنا" . ردّ الذّئب بشيء من العنجهيّة "أنا؟ أنا الذّئب الوحيد المختلف عن القطيع.لا أطارد ، ولا أطارد. يأتيني طعامي متى حان موعده. يصفّق لي آلاف البشر إعجابا أو خوفا ، لست أدري.سأظلّ أتغذى من عسلكم متى أشاء، وليس بمقدورك منعي أو هجر الخليّة." لم تردّ عليه ملكة النحل، وانبرت إلى صويحباتها كالمستسلمة.
قعي الذّئب على قائمتيه الخلفيّتين، ومدّ رأسه إلى الأمام ، ثمّ خفضه إلى الأسفل في هيئة الرّاكع المتهجّد إلى ربّه. ظلّ الذّئب على تلك الحالة لعدّة أيّام. وانتهى خبره إلى قطيع من الذّئاب كان يقيم بأطراف الغابة. احتاروا في أمره. ودفعهم الفضول إلى إيفاد أشدّهم قوّة وشراسة وفطنة يستطلع الأمر علّه يأتيهم بالخبر اليقين.
دخل عليه الأجمة، فوجده على الصورة التي وصلتهم عنه. اقترب منه وبادره بالسؤال
" عمت صباحا أيّها الذّئب. ما أراك فاعلا؟ ". لم يتعجّل الذئب الردّ. وبعد دقائق من الصمت أجابه" أفسدت عليّ خلوتي ونغّصت صفاء روحي. إني أتضرّع إلى الله علّه يغفر لي ما تقدّم من ذنوبي ويخفّف عنّي ما ابتلاني به."
عاد رسول القطيع لأصحابه وجلا مشدوها ونقل لهم ما رأى وما سمع. أجب الذّئاب بالخبر حدّ الانبهار. وعقدوا العزم على التقرّب من الذّئب الوافد وخدمته طمعا في أن يجذبوا الى ما جذب. توجّه القطيع نحوه وأخبروه بما عقدوا عليه العزم. تجمّعوا حوله في شكل دائري وشرعوا في الرقص احتفاء بمقدمه. وكان كلّ واحد منهم يحمل ما سيقدّم من هديّة. تواصل رقصهم ودورانهم إلى ساعة متأخّرة من الليل، فأنتابهم الكرى ولم يتفطّنوا أنّ هداياهم كانت تتناقص. استمرّ الأمر على هذا المنوال لمدّة شهر إلى أن انتبه رئيس القطيع إلى نفاذ كلّ الهدايا والمدخرات إضافة إلى غيّاب إحدى الإناث وجرو من الجراء. اشتدّت به الحيرة ودعا لاجتماع طارئ أطلع خلاله بقيّة الذّئاب على الأمر، وأخبرهم بما يساوره من شكّ من أنّ الذّئب الوافد وراء ما حلّ بهم. بقيت الذّئاب متردّدة بين تصديق الزعيم والثقة في الذئب. وانقسموا بين راد التهمة عنه ومؤكد لها. وبعد جدل قرّ قرارهم على إعادة إيفاد وفد ليستجلي الحقيقة. وبينما كان الذّئب المروّض يمارس طقوسه اليوميّة اقترب الوفد من الأجمة التي كان يقيم فيها وظلّ يراقبه. وكم كان جزعهم عندما رأوه رائحا غاد بين نهش لحم الجرو المفقود ومواقعة الأنثى المختفيّة. انبروا منزعجين إلى رئيسهم، وأعلموه بما وقفوا عليه من خيانة الذّئب لهم.
عند الظهيرة لمّا استقرّت الشمس في كبد السماء واشتدّ لهيبها تمدّد الذّئب الخائن على بطنه في ظلّ الشجرة التي أقام عليها النحل خليّته ، واستسلم لنوم عميق. تسلّل زعيم الذئاب بين الأشجار ولكز الخليّة بغصن لكزة أسقطتها على الذّئب. هاج النحل وأقبل عليه لسعا وقرصا حتّى أدمى جلده وورّم عينيه. جعل الذئب يدور حول نفسه طمعا في التخلّص من النحل وهو يصيح" إليكم عنّي...أأعاقب بذنب غيري؟ ذاك ما روّضت عليه وما تطبّعت به من طباع البشر" .
رياض المساكني (انقزو)
مساكن/ تونس
google-playkhamsatmostaqltradent