قصة قصيرة / بعنوان نابيا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أين أنا؟!
ـــ هذه لحظاتك الأخيرة .... أنت مقبل علي الإنتحار ...
عند تلك اللحظة التي تأخذ فيها القرار, وأنت علي بعد خطوات قليلة من الموت, تبدأ الدماغ بإدخالك في عالم إفتراضي, عن طريق الجزء الوحيد في عقلك الذي لم تهيمن عليه فكرة الإنتحار, تقوم الدماغ بجمع كل الخلايا العصبية التي تحمل ذكريات قوية مضيئة, تجمع لك كل صلواتك, كل التسبيحات, ذلك الدفئ في احضان امك, كل الأمنيات القوية, مثل أن تجد الحب, أن تجد الإيمان, ثم تدخلك هنا حيث ما هو أسوء من الموت .....
الدماغ لا يريد أن يموت, أنت علي مدار سنينك الماضية, غرزت فيه امنيات كفيلة بأن تجعله يقاوم, يظل يقاوم, إلي أن تأخذ القرار, فيبدأ بجمع الخلايا العصبية القليلة الغير مصابة, ليدخلك هنا, ليبدأ في تعذيبك , الدماغ ينتقم ...
ربما لديك بضع دقائق لتنتحر, ولكنًَ دماغك تجعل الوقت يمر ببطئ شديد هنا, ببطئ لدرجة قاسية جداً ....
قمت مفزوعاً, أجري ناحية الباب, أمسك بي ذلك الشخص الغريب ومنعني بشدة, ودفعني بقوة ناحية الحائط, بدأت في البكاء, شعور قاسي بالحنين إلي كل شئ, بدأت تترد في ذاكرتي صور امي, بدأ شعور دفئ احضانها يتغلل داخلي, بدأت اسمع صوت قطرات الماء الممتزجة مع إبتهالات الفجر في اؤل صلاة فجر لي في حياتي ذلك النقاء الغريب ذلك الهدوء البعيد, وكأن قطعاً من الليل تسكننا, لنستطيع إكمال السير في ضجيج الدنيا القاسي, وكأن الفجر هو المقاومة, بدأت أشهق, أصرخ "أريد أن أعود", وضع يده علي فمي وقال بغضب وحذر اخفض صوتك, اخفض صوتك ....
سيجدوننا ....!
يزداد شعوري بالحنين إلي العودة, يزداد بكائي, وهو يزيد في إحكام قبضته علي فمي, ثم قال "إن لم تصمت فلن تستطيع العودة ابداً, إن لم تخفض صوتك وتسمعني ستموت هنا"
بدأت في الجلوس دوناً عني مستنداً إلي الحائط بينما ابكي, جري ذلك الغريب ناحية باب ذلك المكان الذي افقت فيه, نظر للخارج بحذر وعاد ناحيتي قائلاً "لم ينتبه أحد منهم لوجودك"....اهدء وسأخبرك بكل شئ وما يلزم فعله للخروج من هنا ...
ـــ أين هنا؟!
ـــ أنت في عالم إفتراضي صنعته دماغك, لتنتقم منك بعد أخذك قرار الإنتحار, ربما لديك في الواقع بضع دقائق لتنتحر وتنهي حياتك ولكن دماغك تمنحك هنا بضع ايام, تمدك فيها بمدي لم نصله في واقعنا من الإحساس بالوحدة, إحساس عميق مخيف ومفزع, وعلي الجانب الآخر تمدك بصور من حياتك, ستعرض أمامك كل الأشخاص والأشياء والمشاعر التي تشعل داخلك إحساس قاتل بالحنين إلي العودة, ستجعلك في تلك الأيام القليله تجد الحب, تجد الإيمان, تجد كل ما يدفعك للبقاء, لحب العودة....
لكن ....
ـــ لكن ماذا؟!
لكن لن يكون الوقت كافياً لتصحيح قرارك ....لم ينجو أحد قبلك .... لم يخرج أحد من هنا ابداً ...
قمت مفزوعاً ناحيته وأمسكت به لم اتمالك نفسي وبدأت البكاء من جديد "لكن أنا سأعود, أمي تنتظرني, اريد أن اصلي ولو فجراً واحداً, فجراً واحدا فقط, أريد أن ارتمي في حضن أمي ولو للمرة الأخيرة"
"أنت ستساعدني"
صمت ذلك الغريب وبدا علي ملامحه إحساس بالخيبة, ملامح تخبر الكثير عن اللاعودة, ملامح تحمل صور لهؤلاء الذين مروا من هنا, وكان لديهم كل تلك المشاعر التي لدي الآن, تلك المشاعر التي تخبرهم بأنهم سيعودوا .....
ولكنهم لم يعودوا ....
ـــ عليك فقط أن تخبرني كيف أخرج من هنا, ومن هؤلاء الذين لم ينتبهوا لوجودي؟!
ـــ عليك أن تخبرني أين أنا؟!
ـــ أنت هنا في (نابيا)
أرض المنتحرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / حمادة ابراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ أين أنا؟!
ـــ هذه لحظاتك الأخيرة .... أنت مقبل علي الإنتحار ...
عند تلك اللحظة التي تأخذ فيها القرار, وأنت علي بعد خطوات قليلة من الموت, تبدأ الدماغ بإدخالك في عالم إفتراضي, عن طريق الجزء الوحيد في عقلك الذي لم تهيمن عليه فكرة الإنتحار, تقوم الدماغ بجمع كل الخلايا العصبية التي تحمل ذكريات قوية مضيئة, تجمع لك كل صلواتك, كل التسبيحات, ذلك الدفئ في احضان امك, كل الأمنيات القوية, مثل أن تجد الحب, أن تجد الإيمان, ثم تدخلك هنا حيث ما هو أسوء من الموت .....
الدماغ لا يريد أن يموت, أنت علي مدار سنينك الماضية, غرزت فيه امنيات كفيلة بأن تجعله يقاوم, يظل يقاوم, إلي أن تأخذ القرار, فيبدأ بجمع الخلايا العصبية القليلة الغير مصابة, ليدخلك هنا, ليبدأ في تعذيبك , الدماغ ينتقم ...
ربما لديك بضع دقائق لتنتحر, ولكنًَ دماغك تجعل الوقت يمر ببطئ شديد هنا, ببطئ لدرجة قاسية جداً ....
قمت مفزوعاً, أجري ناحية الباب, أمسك بي ذلك الشخص الغريب ومنعني بشدة, ودفعني بقوة ناحية الحائط, بدأت في البكاء, شعور قاسي بالحنين إلي كل شئ, بدأت تترد في ذاكرتي صور امي, بدأ شعور دفئ احضانها يتغلل داخلي, بدأت اسمع صوت قطرات الماء الممتزجة مع إبتهالات الفجر في اؤل صلاة فجر لي في حياتي ذلك النقاء الغريب ذلك الهدوء البعيد, وكأن قطعاً من الليل تسكننا, لنستطيع إكمال السير في ضجيج الدنيا القاسي, وكأن الفجر هو المقاومة, بدأت أشهق, أصرخ "أريد أن أعود", وضع يده علي فمي وقال بغضب وحذر اخفض صوتك, اخفض صوتك ....
سيجدوننا ....!
يزداد شعوري بالحنين إلي العودة, يزداد بكائي, وهو يزيد في إحكام قبضته علي فمي, ثم قال "إن لم تصمت فلن تستطيع العودة ابداً, إن لم تخفض صوتك وتسمعني ستموت هنا"
بدأت في الجلوس دوناً عني مستنداً إلي الحائط بينما ابكي, جري ذلك الغريب ناحية باب ذلك المكان الذي افقت فيه, نظر للخارج بحذر وعاد ناحيتي قائلاً "لم ينتبه أحد منهم لوجودك"....اهدء وسأخبرك بكل شئ وما يلزم فعله للخروج من هنا ...
ـــ أين هنا؟!
ـــ أنت في عالم إفتراضي صنعته دماغك, لتنتقم منك بعد أخذك قرار الإنتحار, ربما لديك في الواقع بضع دقائق لتنتحر وتنهي حياتك ولكن دماغك تمنحك هنا بضع ايام, تمدك فيها بمدي لم نصله في واقعنا من الإحساس بالوحدة, إحساس عميق مخيف ومفزع, وعلي الجانب الآخر تمدك بصور من حياتك, ستعرض أمامك كل الأشخاص والأشياء والمشاعر التي تشعل داخلك إحساس قاتل بالحنين إلي العودة, ستجعلك في تلك الأيام القليله تجد الحب, تجد الإيمان, تجد كل ما يدفعك للبقاء, لحب العودة....
لكن ....
ـــ لكن ماذا؟!
لكن لن يكون الوقت كافياً لتصحيح قرارك ....لم ينجو أحد قبلك .... لم يخرج أحد من هنا ابداً ...
قمت مفزوعاً ناحيته وأمسكت به لم اتمالك نفسي وبدأت البكاء من جديد "لكن أنا سأعود, أمي تنتظرني, اريد أن اصلي ولو فجراً واحداً, فجراً واحدا فقط, أريد أن ارتمي في حضن أمي ولو للمرة الأخيرة"
"أنت ستساعدني"
صمت ذلك الغريب وبدا علي ملامحه إحساس بالخيبة, ملامح تخبر الكثير عن اللاعودة, ملامح تحمل صور لهؤلاء الذين مروا من هنا, وكان لديهم كل تلك المشاعر التي لدي الآن, تلك المشاعر التي تخبرهم بأنهم سيعودوا .....
ولكنهم لم يعودوا ....
ـــ عليك فقط أن تخبرني كيف أخرج من هنا, ومن هؤلاء الذين لم ينتبهوا لوجودي؟!
ـــ عليك أن تخبرني أين أنا؟!
ـــ أنت هنا في (نابيا)
أرض المنتحرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / حمادة ابراهيم