recent
أخبار ساخنة

الأديب / اشهم م شريف يكتب : هل كانت أمي مُخطأة ...؟! ............ مشاركة مسابقة نهاية العام 2019

للمسابقة
خاطرة بعنوان :


هل كانت أمي مُخطأة ...؟!
.
.
.

بعد نجاحي في الصف الخامس الإبتدائي للصف الذي يليه ،
أهدتني خالتي (حفظها الله ) مجموعة قصص من سلسلة الحديقة الخضراء المخصصة للأطفال ، وكانت كما يعلم الكثير قصصا" غربية مترجمة للعربية مدعّمة ببعض الرسوم الملوّنة التي تشد إليها القارئ الطفل .
لم تعجبني الهدية آنذآك ،
لأن قمة اهتمامنا الأدبي وأكبر حلمنا القصصي وقتئذ ؛ هو الحصول على عدد من أعداد سلسلة الألغاز البوليسية المخصصة للاولاد ،
وكانت شخصياتها تستولي على عقولنا وتأسر ألبابنا وتطوّق مخيلتنا ،
فشخصية تختخ وعاطف ولوزة و نوسة كانت بالنسبة لي (أوباما وبوتين وكلينتون وميركل ) للباحث السياسي المعاصر أو ( أسرة الرحابنة ) للناقد الموسيقي أو (نزار قباني وأحمد شوقي وغيرهم ) للمتذوق للشعر العربي .
فاجأتني أمي (أطال الله في عمرها ) بهدية من العيار الثقيل وقتئذ هي كتابيّ المنفلوطي (النظرات والعبرات )
فشعرت عند فتحهما بالصدمة ،
حاولت قراءتهما ، لكني لم أستطع أن أتجاوز الصفحة الأولى رغم تكرار المحاولات ، لعمقهما الفكري ورقيهما الأدبي ووجود هوّة بين ماتحويه تلك الكتب من أفكار و أحاسيس وبين ما تملكه القصص البوليسية من عوامل إبهار وشد للقارئ المبتدئ تدعمها نفسية الطفل التواقة لوضع قدم في درب الحياة الطويل وخياله الواسع المتشوق لكل ماهو مثير ،
وكم كانت دهشتها عندما مسكتني مسك اليد وأنا أخفي لغزا" ضمن صفحات كتاب مادة الفيزياء التي أحببتها جداً وبرعت فيها فيما بعد (لله در شقاوة الطفولة ) .
مرّت أيام الدراسة ولم أقرأ شيئاً هاماً يذكر باستثناء كل مايتعلق بالدراسة المدرسية ولاحقاً الجامعية ،
انحرف الإهتمام و النشاط و الهواية نحو الرياضة والموسيقى وأشياء اخرى ليست بذات أهمية تذكر ،
وجاءت أيام العمل والغوص في معترك الحياة لتُبعدني عن القراءة عموما" وعن الأدب خصوصا" أكثر فأكثر .
أربعون عاما" مضت كأنها يوما" وليلة ...،
ثم جاء خريف العمر وبدأت النفس تستذكر الذكريات وتحنّ لما فوّتت عليها من ملذّات ساعدها في ذلك تضاؤل فرص العمل في بلدي الغالي لاختصاصي بسبب الظروف التي يعيشها وطني وانقطاع التيار الكهربائي الذي أدّى بدوره لابتعادنا عن كل ما يمسّ المدنيّة المعاصرة ، وأصبحت المطالعة طوق النجاة الوحيد في بحر الظلمات الهائج الذي رُمينا به رغم أنوفنا .
فتحت بعض قصص الحديقة الخضراء وتذوّقت مابها من لذة فاتتني آنذاك ،
فتحت بعض ألغاز العهد القديم وانتعشت ذكرياتي بما فيها من حلاوة بسيطة .
وأخيرا"
فتحت كتب المنفلوطي الشهيرة فلم أستطع أن أتجاوز الصفحة الأولى ... لمَ ياترى ...؟!
.
.
هل كانت أمي مُخطأة ... ؟!.

شهم م شريف - سوريا
google-playkhamsatmostaqltradent