recent
أخبار ساخنة

الأديب أحمد علي صدقي يكتب الطفل الزوهري

 



الطفل الزوهري 

ذات يوم في عطلتهما كانت تنتظر زوجها بداخل السيارة فإذا بها ترى طفلا يشبه طفلها أمعنت النظر اليه فحدثت نفسها وقالت:

- إنه هو بطوله وعرضه. إنه هو. إنه ابني.. حبيبي.. ثم خرجت من السيارة.. أمعنت النظر اليه من بعيد.. أزمعت السير اليه.. حضر زوجها فقال لها:

- أتريدين أن ترين الغرفة قبل أن أحجزها؟ قالت له:

- إنه يشبهه. أرأيت؟ انظر إليه. نظر جهة إشارتها فرأى طفلا يصعد إلى سيارة. قال لها:

- هدئي من روعك يا امرأة. فابننا قد مات منذ سنة، وشبع موتا.. قالت:

لا. أبني لم يمت. ابني لازال حيا. إن كنت تحبني ساعدني و اتبع هذه السيارة... لم يمانع الزوج بل عمل بكلامها وتبع السيارة عن كتب، وبدون أن يوقظ شك سائقها. وقفت السيارة أمام منزل. نزل الطفل ونزل السائق فأخذ بيده وهما يضحكان ثم دخلا الى المنزل. قال الزوج لزوجته:

- هيا نرجع يا حبيبتي الى الفندق لنحجز الغرفة قبل فوات الأوان. فلم تبق إلا غرفة واحدة فارغة والسواح كثيرون وان لم نسرع نمنا في السيارة. قالت:

- انا لا أريد أن أنام. أريد أن أحضن طفلي. أريد أن أراه. تغافل الزوج عن كلامها و رجع نحو الفندق، والمرأة لم يهدأ لها بال بل ظلت تحثه على اكتشاف المجهول ومعرفة سر الطفل الذي يشبه ابنهما الضائع. بدأت تبكي محدثة نفسها:

- لو سمعت كلام جارتنا وأخذت احترازي لما ضاع مني ابني. كم حثتني هذه الجارة الطيبة على الانتباه اليه.. فهو يحمل علامات وسمات طفل زوهري. والطفل الزوهري مرغوب فيه.. كم كنت اضحك واستهزئ من كلامها. كم سخرت وتهكمت منها ومن كلامها كلما نطقت أمامي بهذه الكلمة. كانت تفسر كلامها وتعيده تفسيره بلا كلل وأنا اضحك غير آبهة مما يحف ابني من أخطار. كانت تقول لي:

- ابنك زوهري وهذا يعني أنه مهدد بالخطف. فطفل زوهري يعني يجدب الحظ وهؤلاء الاطفال يبحث عنهم المشعوذون والسحرة لذبحهم وتقديمهم قرابين للجن للظفر بالكنوز الذي تكون تحت حراسة الجن ولا يصل اليها الا من قرب قربانا من هذا النوع. ومن علامات الطفل الزوهري أن لسانه يكون مشقوقاً من الوسط. وهذا عند طفلك. و يكون بيده خط عرضي في الوسط يقسم كفه. وهذا عند طفلك. وبعينيه حول. وهذا عند طفلك. ولون شعره غريب وتقسيماته من أسفل، تظهر على شكل نخلة. هذه أعراض كلها عند طفلك و الصعب والخطير انها أعراض ظاهرة للعيان تجعله من دون غيره متعرضا للخطف من طرف هؤلاء المشعوذين والسحرة الذين يجوبون البلاد بحثا عن أمثاله. فكوني حذرة عليه من هؤلاء الباحثين عن أطفال بهذه السمات. كنت أرد عليها أن هذه خرافات، أكل عليها الدهر وشرب، ولم آمن بما كانت تقوله لي حتى اختطف ابني وعندها آمنت، ولكن ما نفع أيمان بعد فوات أوان.

لم تنم أعين المرأة بل باتت تبكي أبنها وتطالب زوجها بالذهاب بها إلى ذلك الطفل لتتيقن هل هو ابنهما أم لا. لقد كانت شبه متيقنة على أنه ابنها لكن الزوج كان يعرف مكانة حبها لابنها لدرجة انها أمست تراه في كل الأطفال. فهو يعرف أن هذا مجرد وهم وتخيل منها فلم يتسرع. قال لها:

- تمهلي حتى الصباح ونذهب إلى ذلك العنوان لنتفحص الأمر.

في صباح اليوم الثاني، وقبل الفطور، أخذ الزوج زوجته و ذهبا إلى العنوان. لكن عندما قرعا الباب خرج اليهما رجل شيخ بدل ذاك الذي رأياه البارحة مع الطفل.. أبلغا الشيخ بقصتهما فأخبرهما ان الذي رأياه هو صديق له أتى لزيارته وسافر ليلا إلى مدينته. فهو يسكن بعيدا عنه، أما الطفل الذي كان معه، فهو يقول أنه أبن اخته ولا أجزم. فالطفل كان يناديه بخالي. ما أعرفه عنه، هو أنه غير متزوج. فهو شاب يعمل كضابط شرطة. قالت المرأة:

هل تستطيع أن توصلنا إليه؟ قال:

- على الرحب و السعة. 

أخذا معهما الشيخ وسافرا الى المدينة التي يوجد بها الضابط. عندما وصلا رحب بهم الرجل وادخلهم منزله وأخبروه بالقصة وقالت له الزوجة:

- من فضلك هل تسمح لي أن أرى الطفل أولا قبل أي شيء آخر. قال لها:

لا يمكن، فالطفل ليس معي فهو الآن في بيت أمه. واليوم يوم مدرسة، ولكي ترياه يجب أن تنتظرا حتى المساء وآتيكم به..

في المساء أحضر الشرطي الطفل لهما، لكنه لم يكن طفلهما الذي ينتظرانه. فهذا يشبهه ولكن ليس هو. تفحصته الأم فلم تجد عنده تلك السمات التي كانت عند ابنهما. نظرت إليه وعانقته وقلبها متيقن أن ابنها حي فإن لم يكن هنا فهو بمكان آخر هناك.. 

سلمت الأم أمرها لله وأخذت بيد زوجها للانصراف. قبل توديعهما طرح عليهما الشرطي سؤالا خطر بباله فسألهما:

- متى وقع اختطاف ابنكما؟ ردت عليه الأم:

- كان هذا قبل سنة. كان الشرطي قد افتكر قصة عصابة كانوا قد القوا عليها القبض وقال ربما تكون هناك علاقة بين هذا وذاك.. إذ كانت العصابة تتاجر ببيع الاطفال الصغار في عمر طفلهما وقد القي عليها القبض وعثر على طفل بحوزتهم. كانت العصابة تتكون من رجلين وامرأة.. ألقي القبض على العصابة وزج بالمجرمين في السجن وسلم الطفل لمأوى خيري. 

طلبت الأم من الشرطي أن يعطيهما عنوان المأوى الخيري أو أن يوصلهما اليه. امتثل لأمرها شفقة عليها وأخذهما لذلك الملجأ وأوتي بالطفل للزوجة وزوجها. قبل أن يدخل الطفل للقاعة وقفت الام تصرخ:

ابني. ابني. ودخل عليها الطفل يصرخ ولم يرها بعد:

أمي! أمي! كانت القلوب قد تعرفت على بعضها بالإحساس قبل النظر بالعيون. كان مشهد رائع. تعانق فيه الثلاثة عناقا لم يشهد له مثيل. وكان الشرطي وصديقه الشيخ ومدير الملجأ وهم يتابعون ما يحدث يبكون فرحا وقد ابهرهم الموقف فذرفت له عيونهم دموعها تفاعلا مع مشهد رهيب ماعاشوا مثله أبدا...

احمد علي صدقي/المغرب

google-playkhamsatmostaqltradent