recent
أخبار ساخنة

جانب آخر من الحياة -بقلم الكاتبة صالحة بورخيص

جانب آخر من الحياة
أخيرا انجلت الغيوم و الأمطار التي غزت أجواء العاصمة لينبعث الدفء من جديد بعد غياب تجاوز الأسبوع..
شجّعتها خيوط الشمس على الصّعود فوق السطح، بعثت ببصرها تستكشف الحيّ السكني الذي استأجرت فيه منزلها الجديد مع أسرتها..
الحقول الممتدة على أطرافه تبدو وكأنها تضمّه إلى صدرها، جمال الخضرة الناهضة من تحت ركام الشتاء و قسوته بدأت تبين. الفراشات تغازل عيون شقائق النعمان وتتراقص على وتر زقزقة العصافير و سحر أناشيدها، وبين هذا وذاك نسجت الطبيعة زرابي مزركشة بكافة الألوان.
مرّرت بصرها هنا وهناك بين المساكن، لاحت لها الجارة بالبيت المقابل تنظف البهو، و تلك في الجانب الآخر تنشر الغسيل، حنتْ رأسها قليلا متأمّلة ثم رفعته ليستقرّ على نفس المشهد.. انهمرت بالبكاء، ترى إلى متى تستأجر بيوت الناس؟
اختفى كل شيء أمامها ليصبح ضبابا لا ترى من ورائه إلا خيالات متراقصة، كل شيء أذابه الحريق الكامن داخل أعماقها فغدت رمادا، سوف لن ترى النور، سوف لن يتحقق استقرارها و لا أحلامها..
رفعت من جديد رأسا مهزوما مكبّلا بالانشغال ثم حوّلت بصرها إلى الجانب الآخر من الحي.. قابلتها قطعة أرض مسيّجة ابتلعتها الشُّجيرات والأعشاب التي تراكمت و تطاولت، لفتت انتباهها خربشة على الحائط.، تأملتها جيدا.. قرأت: أرض للبيع.
خفق قلبها بشدّة وشعرت بالحزن يمزق قلبها: آه لو كنا نملك المال لكانت من نصيبنا.
فجأة توقّف التفكير وطغى الصمت، ما هذا الذي يتحرّك وسط الحشيش، هل تراه قطّ، هل هو كلب توسّد العشب هروبا من البرد؟
يا الهي.. انه رجل.. نعم.. رجل ينهض من تحت ركام الأعشاب، ماذا يفعل هناك؟
محتْ كل الصّور السّابقة من مخيّلتها وبعثت بتفكيرها وبصرها نحوه، يبدو أنّ الهموم قد حطّت على قلبه وفكرهه لينهار، ثياب ممزقة، أشعث أغبر قد أكل البؤس والفقر والوسخ من جسده،
من تراه يكون.. وما هي قصته.. و لماذا يقيم بين الأعشاب.. هل ترى ما شاهدته حقيقة أم خيالا؟
كتلة هم مترنّحة نهضت متعثّرة في خطواتها تكاد تسقط منزاحة عن مكانها لبضع أمتار، إنّها مثال حقيقيّ لصورة من الحياة أرسلها الله لها كي تعرف أنّ السعادة تكمن في العقل والصحة ولم تكن أبدا أموالا ولا قصورا..
صالحة بورخيص

google-playkhamsatmostaqltradent