recent
أخبار ساخنة

صاحبة السعادة / بقلم الكاتب / عاطف عبد الله

الصفحة الرئيسية

(صـــــــــــــاحبة الســـــــــــعادة)
..................................... قصة قصيرة بقلمي ( الكاتب عاطف عبد الله )
(تنظر الي تلك المرأة الماثلة أمامها في مرآتها التي لم تفارقها منذ عشرين ربيعا حينما أصبحت عروسا تحمل اسم زوجها الراحل منذ عام ..تمسك بخصلة من شعرها وقد بدأ المشيب يخط فيه بخريف الأربعين ..تتبسم لها قائلة :
-- هاهو العمر ياجميلة الجميلات يذكرنا بالرحيل مبكرا ..فلا أنيس لك بعد رحيل الحبيب ولا من جليس ولا مولود.. فقد كتب عليك العقر أرضا بلا حدود
تمسح دمعة قد انزلقت علي خدها ثم تخرج من غرفة نومها واذ بخادمتها تفاجئها مذعورة :
-- سيدتي هناك ضابط شرطة ومعه اثنين عساكر واثنين محضرين يطلبون مقابلتك عند باب الفيلا
تخرج اليهم مهرولة في انزعاج ..فلم يحدث هذا أبدا حتي في أيام زوجها الراحل
-- نعم تحت أمرك
-- حضرتك أرملة المرحوم ( عامر المصري )
-- أيوة أنا خير فيه ايه ؟
-- احنا معانا أمر حجز واخلاء علي الفيلا وممتلكات زوجك
تترنح في مكانها ..تلحق بها خادمتها قبل أن تسقط من هول المفاجأة :
-- حجز ايه واخلاء ايه أنا موش فاهمة حاجة
-- المرحوم كان مستدين مبالغ بالملايين من البنك وفشل في تسديدها لكن أولاده والست والدتهم دفعوا كل الديون وأصبحت كل أملاكه بالكامل من حقهم ..وعليك ترك كل هذا فورا
تأتي في تلك الأثناء سيارة فاخرة ..تهبط منها سيدة عجوز في الستين من عمرها ومعها أبناؤها الثلاث يدنون منها كمن وجد فريسته ... تخاطبها المرأة :
-- من سكات كدة ..اتركي حياتنا وارحلي.. بكفياكي خراب.. خطفتيه مني من عشرين سنة ..ولما مات عاوزة تتملكي كل حاجة ههههه لكن ياخسارة طلع رهانك خسران ..حصانك طلع مضروب ياحلوة
الذهول يسيطر عليها ...تنتابها حالة من الضحك الهيستيري ...تحاول تهدئتها خادمتها ...لكنها لم تهتم ...يتركونها الي داخل الفيلا ...تتم اجراءات التسليم ...تغادر قوة الشرطة والمحضرين ...تأتي سيارات النقل بمنقولات المالكين الجدد ..يتقدم أحد الأبناء طالبا منها الرحيل بهدوء والا فالعاقبة ستكون وخيمة ..تنظر الي سنوات عمرها التي اغتصبت منها في لحظات غادرة ...فلا المرحوم كان مخلصا لها فقد كانت له محظية تهبه سعادة وهو يرسم لها قصورا وأحلاما من هواء ..باعها له أبيها وهو يكبرها بعشرين عاما من أجل حفنة من المال ثم تركها له راحلا عنها للأبد ...والآن هاهي في عرض الطريق تهيم علي وجهها لاتعرف من لها ومن عليها ومن معها ..تتركها خادمتها متمسكة بالسيدة الجديدة ..تجلس باكية منهارة علي الرصيف ....فجأة ..تتوقف أمامها سيارة فارهة يهبط منها شاب أنيق ذو هيبة ...يدنو منها في هدوء وهو يقول :
--- لو سمحتي موش اللي هناك دي فيلا المرحوم المهندس ( عامر المصري )
تنظر اليه وهي تمسح دموعها قائلة :
-- أيوة هيا دي خير ياتري فيه مصيبة جديدة
تعلو الدهشة وجه الرجل وقد تقاذفت في صدره الكثير من التساؤلات ..يبدأ في تهدئتها وهو يقول :
-- هوا انتي بتشتغلي في الفيلا ؟
تضحك وهي تبكي ثم تقول :
-- أيوة كنت بشتغل محظيته ..وبعد ما مات أصبحت أرملته
-- لا لا دا انتي أكيد واحدة مجنونة
يهم بتركها ثم يعود فجأة وهو يسألها :
-- المرحوم كان أخبرني انه تزوج في السرعلي زوجته من بنت فقيرة ممكن تقوليلي اسمها ؟
تضحك أكثر فأكثر فما أكثر ضحكاتها في هذا اليوم ..ضحكات أقسي من كل بكاء ...
--- كان اسمها ( سعيدة ) ودلوقت أنا اسمي ( تعيسة )
يقترب منها وهو يخرج من بين طيات ملابسة صورة لها
--- يا الله فعلا انتي ...طب ايه اللي حصل ممكن تركبي معايا السيارة
تغضب ...تتركه ...تحذره ان حاول معها ثانية
--- صدقيني والله العظيم موش قصدي شر أنا جايب لك أمانة
-- يا أستاذ لو سمحت أنا موش ناقصة خراب أكتر من اللي حصل لي اليوم اتركني في حالي أحسن أصرخ وألم عليك الناس
-- يا سيدتي الفاضلة اعطيني مهلة أشرح لك بس فهميني الأول ايه اللي حصل وايه اللي رماك الرمية دي
تشرح له في عجالة ..فحياتها كلها كانت ومضة في عجالة ..تسعد من لايستحق ..وتتعس عمرها بغد مشؤوم جاءها علي يد ضابط وعجوز شمطاء وأبنائها الجاحدون
يحوقل الرجل ضاربا كفا بكف وهي تنظر اليه في تعجب ثم يخرج من سيارته مظروفا كبيرا ليعطيه لها وهو يقول :
-- من يعطي السعادة في زمن الظلام ..تأتيه نفس السعادة حين تهطل دموعه في ظلام آخر ...أنت امرأة طيبة القلب وربنا راضي عنك ..والقدر وحده قابلني بك علي قارعة الطريق ...طريق الظلم والجحود والضياع ..الظرف ده فيه حظك ونصيبك موش فاكراني ؟
تقول في نفسها :
--- ( هوا ايه اليوم الغريب ده ؟ ) هوا انا مت وانا بتحاسب في الآخرة ؟ هوا فيه ايه ياربي ؟
يفيقها الشاب وهو يقول :
-- انا ابن الست الضريرة العجوزة اللي كنتي بتخدميها قبل ما تتجوزي
-- الست ( فرحة ) الله يرحمها وانت ابنها محمود
-- أيوة ياست الكل هي تركت لك الظرف ده فيه حظك ونصيبك ..نصيب الاخلاص والسعادة ...
تفتحه ..لتجد فيه شيك بالملايين وعقد ملكية لنفس الفيلا التي كانت تخدم فيها أمه قبل زواجها ...يتراقص قلبها من الفرحة ...تركب مع الشاب سيارته راحلة الي حيث زرعت السعادة في زمن الماضي البعيد ..لتحصد الفرحة والغد السعيد .. تتساقط دموعها وهي تنظر الي تلك الفيلا التي دفنت فيها نصف عمرها البغيض .
..............................................
مع تمنياتي لكم بالسعادة
الكاتب والشاعر
عاطف عبد الله
......................

google-playkhamsatmostaqltradent