recent
أخبار ساخنة

السبيل / بقلم الأديب / إبراهيم معوض

الصفحة الرئيسية

السبيل
••••••••؛
الجو حار ،وألم الحرارة يسرى فى أوصالى ،وكأنى مقبل على غليان، الدم فى عروقى أوشك أن يفور ، والعرق كاد أن يلهب وجهى ،والعطش يصل إلى كبدى بسرعه وصول الضوء الخاطف . فتجف الشفاه وتتشقق ،ويخرج اللسان لاهثا باحثا عن رطوبه فى الجو فلا يجد فيعود خائبا . وعلى مرمى البصر أبصر سبيل الماء أمام ورشه النجارة على قمه الشارع، الذى أشعر انه أصبح أطول من أعمار البشر فأسرع بالخطى وازيد ،وكلما إقتربت منه لأرى قطرات الماء تتندى فوق الفخار البارد، أشعر أنه يبتعد عنى وكأنه يتحرك فى مخيلتى ، فأعود أسرع الخطى وأزيد . وبعدما إقتربت لدرجة توحى بقرب تحقيق الأمل المنشود . أجد معركه كبيرة قد نشبت، والكل يجرى ،يهرول ،يتفرج ولا أحد يتقدم للفصل فى الشجار . رجل ضخم عملاق ،ورجل دقيق متهالك ،قتال غير متكافئ، أستمر لحظات قليلة، نتج عنه دماء تسيل من الفم والأنف، وتقطيع فى الملابس وفى الوقت المناسب أرسل الله المنقذ كى يخلص الرجل قبل ان يحدث كسر فى العظام . دفع المخلص العملاق دفعا خفيفا اجلسة على كرسيه أمام باب ورشه النجارة . وأمر الضعيف بالإنصراف ،فلملم بقاياه ،وأخرج منديلا يقطع به خيط الدم النازف من أنفه ويعود يدسه فى جيب سترته التى تمزقت اكمامها ،وظل يبحث عن بقايا نظارته الطبيه فلم يجد منها إلا نصفا فالتقطه ودسه فى جيب سرواله وإنصرف .
- فيه إيه يا راجل خليك حليم ..
- والله حليم أوى يا صاحبى بس هو راجل مستفز ..
- إيه اللى حصل بس دا إنت عجنت الراجل .
- انا قاعد قدام ورشتى لا بيا ولا عليا . يبص لى بألاطه ويقولى نزل رجلك قال إيه حاطط رجلى فى وش معاليه . قلت له إمشى من هنا  متخلنيش اتجنن عليك . متشربش من الميه بتاعتى . يقولى دى مش بتاعتك دا سبيل ملك للجميع . وهيعملى فيها من بتوع الأتحاد الاشتراكي وأديك شفت الباقى . أنا غلطان ؟
- دا راجل سخيف أوى يلا معلهش يا معلم .
وفى هذه الأثناء إمتدت يدى فى بطئ ، التقطت كوز الماء لأبلل جفاف ريقى ، وأندفعت خلف الرجل الذى مازال يحنى رأسه إلى الأرض وكأنما يريد أن يتوارى بوجهه عن الناس قدر المستطاع . فما حدث لا يمكن أن يمحى من ذاكرته مهما إختفى ، حتى وإن إنصهر وذاب وتبدد بعيدا فما زال يرى عيون الشفقة تتابعه .وظللت أتابعه بناطرى حتى إبتلعه الطريق .
•••••••••؛••••••••••
إبراهيم معوض ...

google-playkhamsatmostaqltradent