recent
أخبار ساخنة

بعد الخروج بقلم الأديب إبراهيم معوض

سلوي علي محمد
الصفحة الرئيسية





بعد الخروج / قصه قصيره
••••••••••••••
الصخب يملأ الشارع بإيقاع يومى معتاد ، طرقات الزهر المنبعثه من المقهى تغفو وتفيق على ضجيج السيارات ، أصوات البشر تمتزج مع أصوات الآلات فيصعب تمييزها منفرده ، رائحه الخبز التى تنبعث من الفرن المقابل تملأ الأنوف و تقرقر لها البطون الجائعة ، عمال التراحيل تتدحرج ككرات ثلجية نحو أعمال الشقاء بالمدن المتاخمة ، كانوا لا يجيدون إلا الزراعة والحصاد ، ومع إندثار تلك الأعمال ينهضون كل يوم للعمل فى المعمار والتشييد ، لم يتبق إلا ساعات قليلة وتخلو القريه من عمالها ويأتى ذلك متزامنا مع ييع آخر رغيف وإغلاق الفرن ، وبعدها تتحول القريه إلى كتله خرساء إلا من صوت الزهر وطرقات الدومينو ، ينظر إلى أبيه الذى يبدو أمامه في زيه الداخلى الملتصق كعملاق يستجدي منه قطعه نقديه بنظرات ذليله ، يمنحه إياها بالكاد وكأنه يقتطعها من جلده ، يطير فرحا بها يقفز خارجا من باب البيت بعدما يطبع على يده قبله سريعه ، ينفض الغبار عن حذاءه المدرسى ويرتديه ، يجذب أحزمه الحقيبه بين الحين والأخر ليخفف من ثقلها عن كتفه الصغير ، ينصت إلى كلمات الأب المنسابه خلفه توصيه بأن يشترى الطعام ولا يبدد كل المصروف فى العسليه ، فيرد بتلقائيه معتاده : أفعل يا أبى ، يشق الصفوف بجسده الحاد كى ينتظم فى مكانه وسط الطابور ، يسمع كلمات المدير المعتادة عن النظافه والأخلاق والآداب ، يسبح بخياله الصغير لأبعد من ذلك ولربما لأقرب ، يقارن بذهنه المرهق بين طعم العسليه ومنفعه الطعام ، ولكن وعده الذى قطعه للأب يسرق منه متعه الإختيار ، صراع ينشب داخله بين ما يبثه المدير من قيم وما يعتمل في نفسه من رغبات ، يفيق على صوت المدير يرتفع صاخبا بتحيه العلم ، يردد بحماس ، يتحرك بين الأطفال كحبه فى مسبحه ناسك ، يضع جسده بين مئات الأجساد الصغيرة كى يستقر به المطاف على مقعد خشبى متآكل ، يهدأ الصخب بدخول المعلم قاعه الدرس ، يخرج الدفتر والقلم ، وبصوت عال يقول : زرع .. حصد .. يردد خلفه بعنف ويلوى شفتيه ساخرا ، ثم يقرر أن يشترى العسليه بمصروفه كاملا ... ثم يقول للأب أنه اشترى طعاما كثيرا ..
••••••••
إيراهيم معوض ...
google-playkhamsatmostaqltradent