قبس من نور القرآن { سورة النجم [ 1 ] }
-----------------------
قال تعالي : { والنجم إذا هوي * ماضل صاحبكم وما غوي * وما ينطق عن الهوي * إن هو إلا وحي يوحي * علمه شديد القوي * ذو مرة فاستوي * وهو بالأفق الأعلي * ثم دنا فتدلي * فكان قاب قوسين أو أدني * فأوحي إلي عبده ما أوحي * ما كذب الفؤاد ما رأي * ولقد رآه نزلة أخري * عند سدرة المنتهي * عندها جنة المأوي * إذ يغشي السدرة ما يغشي * ما زاغ البصر وما طغي * لقد رآي من آيات ربه الكبري * أفرأيتم اللات والعزي * ومناة الثالثة الأخري * ألكم الذكر وله الأنثي * تلك إذًا قسمة ضيزي .....} صدق الله العظيم - النجم 1-22
هوي : سقط
ماضل : ما مال عن الحق
صاحبكم : الرسول صلي الله عليه وسلم
ما غوي : مااعتقد اعتقادا باطلا قط
شديد القوي : جبريل عليه السلام
ذو مرة : ذو خلق حسن وآثار بديعة
فاستوي : فاستقام علي صورته الحقيقية
دنا : قرب
قاب قوسين : قدر قوسين
أفتمارونه : أفتجادلونه
نزلة أخري : مرة أخري في صورته الحقيقة
سدرة المنتهي : شجرة يسير تحتها الجواد السريع مائة عام ولا يصل لنهايتها وتنتهي عندها علوم الخلائق لا مخلوق يعلم ما وراءها ، وسنتكلم عنها بإسهاب فيما بعد
جنة المأوي : مقام أرواح الشهداء
يغشي السدرة : يغطيها ويسترها سبحات من نور الله ، وملائكة ، وفراش من ذهب يطير حولها
مازاغ البصر : ما مال بصر الرسول صلي الله عليه وسلم لأبعد ما أمر برؤيته
ما طغي : ما تجاوز عما أمر برؤيته
أفرأيتم : أخبروني هل رايتم
اللاة والعزي ومناة : أصنام كان الكفار يعبدونها
قسمة ضيزي : جائرة أو عوجاء
سنتكلم عن هذه السورة من وجوه متعددة - لمن يريد أن يتعلم عروض الشعر فليكثر من قراءة القرآن الكريم فسيتعلم كيف يكتب كلاما موزونا مقفي منغما جميلا - ثم نتحدث عن رسولنا الكريم وعما يوحي إليه وعن رؤيته لجبريل عليه السلام في صورته الحقيقية مرتين - ثم نصف سدرة المنتهي وما يغشاها .
سورة النجم في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية ، منغمة ، يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة ، ويلاحظ هذا التنغيم في السورة بصفة عامة ، ويبدو القصد فيه واضحا في بعض المواضع ، وقد زيدت لفظة أو أختيرت قافية ، لتضمن سلامة التنغيم ودقة إيقاعه ، إلي جانب المعني المقصود الذي تؤديه في السياق كما هي عادة التعبير القرآني ، مثل ذلك قوله { أفرأيتم اللاة والعزي ، ومناة الثالثة الأخري } فلو قال "ومناة الأخري" ينكسر الوزن ، ولو قال : " ومناة الثالثة"فقط يتعطل إيقاع القافية ، ولكل كلمة قيمتها في معني العبارة ، ولكن مراعاة الوزن والقافية كذلك ملحوظة ، وكذلك كلمة "إذًا " أو "إذن " في وزن الآيتين بعدها :{ ألكم الذكر وله الأنثي * تلك إذًا قسمة ضيزي } فكلمة"إذًا " ضرورية للوزن وإن كانت مع هذا تؤدي غرضا فنيا في العبارة .. وهكذا
ذلك الإيقاع ذو لون موسيقي خاص ، لون يلحظ فيه التموج والانسياب ، وخاصة في المقطع الأول والأخير من السورة ، وهو يتناسق بتموجه وانسيابه مع الصور والظلال الطليقة المرفرفة في المقطع الأول ، ومع المعاني واللمسات العلوية في المقطع الأخير، وما بينهما مما هو قريب منهما في الجو والموضوع .
والصور والظلال في المقطع الأول ، تشع من المجال العلوي الذي تقع فيه الأحداث النورانية والمشاهد الربانية التي يصفها هذا المقطع ، ومن الحركات الطليقة للروح الأمين وهو يتراءي للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم ، والصور والظلال والحركات والمشاهد والجو الروحي المصاحب ، تستمد وتمد ذلك الإيقاع التعبيري وتمتزج به ، وتتناسق معه ، وتتراءي فيه في توافق منغم عجيب .
ثم يعم ذلك العبق جو السورة كله ، ويترك آثاره في مقاطعها التالية ، حتي تختم بإيقاع موحٍ شديد الإيحاء ، مؤثر عميق التأثير ، ترتعش له كل ذرة في الكيان البشري ، وترف معه وتستجيب .
وإلي لقاء آخر بإذن الله تعالي نستكمل فيه الحديث حول سورة النجم . ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أٌقول " اقرأوا القرآن " ليس مجرد قراءة سطحية ، ولكن اجعلوه يتغلغل و يشع بنوره في كيانكم كله وأرواحكم ويؤثر بنورانيته في كل ذرة منكم وكل نَفَس من أنفاسكم "
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،