recent
أخبار ساخنة

الأستاذ. سرحان الركابي يكتب/طقوس العزلة

طقوس العزلة
ءءءءءءءءءءء

مع ان غرفة الاستقبال لا تطل على العالم الخارجي الا من خلال نافذة صغيرة , الا انه ظل يذرعها بخطواته المرتبكة والفوضوية , وبين الفينة والاخرى يرمق النافذة بعينين متطلعتين نحو الافق  الذي بدا ضيقا وكالحا ومغلقا بالبنايات والضجيج والغبار , ظل يروح ويجيء لعله يصل الى قرار ,
. حرارة الافكار التي تزاحمت في رأسه منذ فترة طويلة جعلت رأسه يغلي ويختض , ومما يزيد الامور تعقيدا احساسه المأساوي بالقيود والاصفاد التي تكبله وتمنعه من الخروج من عالمه الغامض والسري  والمظلم  والذي جعل جسده يتهاوى ويترنح كالسكران , اراد ان يمنح نفسه حرية في الحركة وافقا جديدا لتقرير ما اذا كان سيكلمها ام لا , فخرج الى الضوء الساطع في وضح النهار , لكنه فجأة شعر بانه عار من كل اسراره وهواجسه  الغريبة وأحس   بتفاهة افكاره وضعفه وتردده , فخجل خجلا مريعا ما جعله يقرر العودة الى داخل نفسه الى عالمه المظلم , ليغلق الابواب والنوافذ من حوله , و يمارس هستريا الذهاب والاياب , وفي اللحظة ذاتها سمع ضحكاتها الغنوج تتناهى اليه من خلف الابواب والجدران الكالحة , كأنها تناديه وتستحثه ان يعود الى قراره الاول , ان يلتقي بها في وضح النهار وامام العيون المترصدة التي لا تدع شاردة ولا واردة الا وكشفتها ورصدتها , وان ينفض كل تلك التراكمات والهذيان الصامت الذي ينهش اعماقه وان يطرح كل ذلك امامها بصلف وصفاقة , ان يقول كل شيء , ويخبرها بكل التفاصيل الدقيقة , ولكن بأية لغة ؟  انه لا يعلم , لكن يجب ان يقول شيئا  ما , , ماذا يقول ؟ قبل لحظات كانت الافكار والكلمات التي تحتشد في رأسه مثل ركام هائل ويتطلب نفضها من على كاهله اياما وشهورا وربما سنوات , اما الان فقد تصحرت  مخيلته وبدت خاوية وخالية من كل شيء , اين ذلك الهذيان الذي كان يقض مضجعه ؟ , الان وبعد ان جاءت واصبحت على بعد خطوات ضاعت الكلمات التي خطط لها وحفظها عن ظهر قلب منذ ايام وليالي طويلة ,
. سمع ضحكاتها المنبعثة من خلف الجدران وقد بدت اكثر وقاحة وصلافة , ايعقل ان تكون مجرد امراة ماجنة ولعوب تحاول ان تسنغفلني وتستغل طيبتي وحاجتي للحب ؟ قال مع نفسه وقد بدا عليه التعب والارهاق , انها لا تستحق كل هذا العذاب والمعاناة , يجب ان ادوس بقدمي على رأس شبحها الذي يطاردني , وينغص لي عيشتي ويسود ايامي ,  قال ذلك وقد رفع قدمه ليدوس شبحا صغيرا كان يقف بالقرب من قدميه , لكن الشبح الصغير تمرد عليه واخذ يراوغ ويعدو في كل ارجاء الغرفة المغلقة الابواب والنوافذ , وسرعان ما كبر الشبح الصغير ليتحول الى مارد عملاق يكاد رأسه ان يصطدم بسقف الغرفة , بينما ظل هو ينظر بدهشة وذهول غير مصدق لما تراه عيناه الكليلتان من كثرة السهاد والارهاق , حاول ان يخرج من الغرفة , استدار نحو الباب , لكن الشبح سد عليه الطريق , نظر بعينين مذهولتين نحو وجه الشبح الذي سد عليه الافق , لكنه صعق وجمد في مكانه حينما رأى ان الشبح ليس سوى المرأة التي يحلم ان يكلمها او يقترب من عالمها السري المقدس , يا الهي ..... ما هذا ؟ ... انها هي . حلمي الذي ابحث عنه منذ سنوات  , ولكن لماذا جاءت الى هنا , الى عزلتي وعالمي المغلق ؟ ولماذا تبدو بهذا الحجم المخيف ؟
- ماالذي اتى بك الى هنا ؟ قال لها بصوت راعش ومضطرب
- انني هنا منذ زمن بعيد  , قالت المراة الشبح
- منذ متى ؟
- لماذا تسأل مثل هذه الاسئلة الساذجة , الم اكن اعيش في مخليتك على الدوام ؟
- ولكنك كنت متمنعة وخجولة وكنت تخشين كلام الناس وعيونهم التي تلاحقك
- هذه مجرد اوهام تعيش في خيالك فقط
- والعذاب والايام الطويلة والارق ماذا تسمين ذلك
- سمه ما شئت
- الان انا اكرهك
- انت تكذب
- لن اشغل بالي بك لحظة واحدة منذ الان
- لا تستطيع
- اخرجي من هنا ولا تفسدي علي عزلتي وعالمي الطاهر المقدس
- اخرج روحك والفظها الى خارج جسدك ان كنت تستطيع
- ومالك انت ومال روحي
لم يسمع جوابا من المراة الشبح , بعد ان تلاشى شبحها الهائل فجأة مخلفا ورائه فراغا قاتلا في الغرفة المظلمة والموصدة الابواب  , ظل هو واجما تاخذه الحيرة والارتباك , لا يدري ماذا يفعل , لكنه قرر ان يعود الى ممارسة طقسه المعتاد في الذهاب والاياب بين زوايا الغرفة الشبه مظلمة

google-playkhamsatmostaqltradent