recent
أخبار ساخنة

الاستاذ أحمد سيد عبد الغفار يكتب / قذيفه

قذيفه
ـــــــــــــــ
قصة قصيرة"
دخَلت غُرفتِها بعد مُنتصف الليل وشعور غريب يجتاح كيانها, وقوة تكمُن في روحِها, وطاقة تُريد ان تُخرجها, قامت بتشغيل موسيقى صاخبة ووقفت في مُنتصف الغرفة المُظلمة تاركة الشُرفة غير مغلقة لكي يتسلل منها ضوء القمر المكتمل.
وقفت شبه عاريه واخذت ترقص بكل قوة وعنف وكأنها في معركة شرسة, واحياناً تضع يدها على رأسها وتدور في انحاء الغرفة كأنها تخشي سقوط قذائف من طائرات تحوم فوقها, واحيانا تقف في وسط الغرفة تُغمض عينيها و تدور بجسدها لتتناثر خِصلات شعرُها في الهواء وتتجسد لوحة رائعة يعجز عن رسمها امهر الرسامين, ظلَت هكذا بِضع دقائق ثم توقفت واخذت تهرول في انحاء الغرفة كأن مسها جنون, ثم استقرت ثانياً في منتصف الغرفة وسقطت ممددة على ارضية الغرفة التي لم تشعر ببرودتها لسخونة جسدها, اخذت تلهث وصدرها يعلو ويهبط ,لا تدرى كم مر عليها من الوقت وهي على هذا الحال, ولكنها تعلم ان الليل قد انتهى فلقد انتشر ضوء الصباح في الغرفة لتظهر معالمها القديمة واثاثها المتهالك, قامت من مكانها وتوجهت نحو الشُرفة بخطى بطيئة ,لم تندهش او تثور او تغضب عندما رأت كل المباني من حولها قد هُدمت وتتصاعد الادخنة السوداء منها ,الشارع يمتلئ بالجثث, نساء وعجائز واطفال, نظرت الى السماء ولم تجد الشمس, لقد اختفت وليس بسبب الضباب انما الدخان الأسود قد حجبها عن المدينة المُدمرة , ظلَت لدقائق تنظُر الى الدمار من حولِها في ثبات ,كأنها تُشاهد لوحة فنية او مشهد اعتادت على رؤيته كثيرا اخذت تقلب عينيها بين الجثث والأشلاء, حتى لمحت طفلاً صغيراً يخرُج من بين الأنقاض, يمشي في ثبات والتراب يُغرق جسده ورأسه, وقف الطفل يُطالع الجٌثث ,نظر خَلفهُ الى الأبنية المُدمرة ثم نظر اليها, نعم نظر اليها ولم يندهش وكأنه يتأكد من وجودِها , مد اليها يده وابتسم لها ثم اشار بأصبعه الى السماء في الجهة الأخرى, نظرت هي الى حيثُ أشار فَوجدَت طائرة قادمة نحوه ارادت ان تصرخ لكي تُنبهه ولكن هيهات كانت القذيفة اسرع منها, سقطت عليه وكأنها تعرف طريقها جيدا . سقطت عليه وهو ينظر اليها مبتسما وحولته الى شظايا بل الى فُتات من اللحم وتناثرت دمائه في الهواء, لم يهتز قلبها لبشاعة المشهد ولم تختبئ ولم تهرب بل فعلت ما يثير العجب, نظرت الى الطائرة التي كانت تقترب منها مثل طائر ضخم فاغرا فاه وقامت بالوقوف على سور الشُرفة وقامت بفرد ذراعيها كأنها تُرحب بالقذيفة الذى انطلقت من الطائرة متوجهة نحوها, نظرت الى القذيفة وكأنها مُتلهفة لعِناقها, اغمضت عينيها وابتسمت لتخترق القذيفة جسدها وتُكمل طريقها الى البناية القديمة لتُسقطها بجانب الجثث وتزيد من الدخان الأسود الذي يصعد الى السماء ويحجب ضوء الشمس تماماً لتغرق المدينة في الظلام.)


google-playkhamsatmostaqltradent