recent
أخبار ساخنة

الأديب / إبراهيم معوض يكتب : الوارثون ( مسرحية ذات فصل واحد)

الوارثون
مسرحية ذات الفصل الواحد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهد الأول

يضاء المسرح على ماكينة الفرن الحديدية، التى تشغل الحيز الأكبر منه، يقف (سالم) الخباز أمامها وخلفها يرتكز القادوس المثبت على عجلات متحركة، وبجواره يقف (عامر) العجان، وعلى يسار الماكينة طاولات خشبية مرصوصة أفقيا مفروش عليها الردة، وخلفها كرسى خشبي قصير يجلس عليه (صابر) المقطع وبجوارة آله الميزان..
صوت وطرق عنيف يعلو من الخارج (بدوي) خفير الفرن..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدوي- إستيقظوا واستعدوا للعمل، هيا أيها النائمون باقي علي الفجر ساعة، هيا يا عامر لعجينك، تأهب يا صابر وأنت يا سالم هيا أيها الكسالى أريد سماع أصواتكم كي اذهب إلى بيتي وفراشي الدافئ، لقد نال البرد من شيبتي وأنتم في دفئ الحيطان الأربعة بجوار الماكينة..

الجميع- جاهزون يا عم بدوي اذهب إلى النوم ولا تقلق..

صمت الصوت، معلنا ذهاب صاحبه، ليعلو صوت آخر (صوت تشغيل السير الحديدي للماكينة)

سالم- ورثت المطرحة والمطرح من أبي، ولابد أنه قد ورثهما من أبيه الذى لم أدركه..

عامر- أما أنا فقد رأيت جدى وأبي واعمامي وورثت منهم قادوس العجين..

سالم- إذن هيا يا عم عامر كي نعد التركة لأولادنا من بعدنا..

عامر- هذا إن رضي عنهم صاحب الماكينة..

سالم- وما أدراك أنه راض عنا؛ إنها المصلحة يا صديقي..

عامر- هل هو الآخر قد ورث الماكينة عن أبيه وجده..

سالم- بالطبع، ولكنه طور كثيرا من آدائها أما نحن ( محلك سر ) ولا ادرى لماذا؟..

عامر- لأن الأمر ببساطة أننا قد هرمنا وما عادت الأقدام قادرة على حملنا، ولا نملك إلا قوتنا وهى بطييعة الزمان تتدهور..

سالم- وما بال صاحب الماكينة؟..

عامر- صاحب الماكينة لا يشيخ لأنه ورث الحديد والحديد لا يهرم، حتى وإن إعتلاه الصدأ بأقل مجهود يعود قويا لامعا كأول صنعه..

سالم- لو كان حقا ما تقول لكان الحديد أولى يالحياة منا..

عامر- إنه بالفعل عمره مربوط بعمر الأرض أما نحن فأعمار هزيلة..

سالم- ولكننا نمتد في أعماق الزمن بما تركنا من نسل..

عامر- نسل يشيخ ويموت، ويصير إلى تراب ويبقى الحديد لنصنع منه أبوابا لقبورنا يسخر من إنهزامنا بصرير إغلاقه..

سالم- ولكن الصانع من نسل الحداد؛ ولولاه لظل الحديد مجرد نسبة هزيلة من مكونات اللب والوشاح لهذه الأرض..

عامر- كفاك ترديدا لما حفظت من مناهج التعليم..

سالم- معك الحق؛ كثيرا ما كنت اتسأل لما أصر أبي أن يسقيني تلك العلوم طالما أنه سيورثني المطرح والمطرحة..

عامر- يبدو أنه كان يريدك الأفضل لأنه طماع والطماع دوما لا يدرك الحقائق كاملة..

سالم- كفاك سخفا، كيف يكون طماعا وهو يريد الأفضلية لغيره؟ وما هي الحقائق التي غابت عن عقله الطيب وقلبه الطاهر؟..

عامر- هو ما أرادك الأفضل إلا تمجيدا لنطفته فيك طمعا أن يذكر بالخير بعد ذهابه، وهذا الطمع أعماه عن أن المطرحة والمطرح قدر لا فكاك منه، وأمانة يجب حملها..

سالم- معك حق؛ ليته ما فعل، حتى أحمل أمانته بنفس راضية، ولكننى غيره فأنا أحاول أن أعلم أبنائى أفضل مما علمني؛ علني أكسر تلك الحلقة المجنونة..

عامر- بل أنت أكثر جنونا وطمعا يا صديقي؛ تسير فى نفس الدرب وعلى نفس المنوال وتظن أنك الأفضل، هو الآخر كان ينتظر أن يتغير المستقبل من تلقاء ذاته، دون مجهود منه إلا العمل والإنفاق..

صابر- ما بالكم تتحدثون كل يوم وتنسوني..

عامر-هل تخمر العجين كى نبدأ الإنتاج؟..

صابر- ألا تذكروني إلا عند السؤال عن الإنتاج؟ فقد ورثت طاولة التقطيع عن أبي مثلكم..

سالم- يبدو أن الحياة واقفة والناس هي التي تدور هههه...

صابر- ولكن دورة الحياة واقفة عندي..

سالم- مجنون من قال أن الأرض تدور، بل نحن من ندور ونتسلم الأشياء..

صابر- أنا لا أدور، أنا مكاني..

سالم- لأنك الوحيد الذي تعمل جالسا، هههه.. ذكرتنى بتاجر السمك في مسرحيه فؤاد المهندس..

عامر- صفر واحد .. طيب خليهم صفرين .. ههه..

صابر- واقف مكاني.. ليس لي ولد كى يرث طاولة التقطيع.. فأنا عقيم..

سالم- ههههه أحسن لك؛ ماذا يفيدك أن يخرج من ظهرك خباز أو عجان..

عامر- لا تقلق عندي ولدان أحدهما يعجن والآخر يقطع..

صابر- أنتم قساة القلوب..

سالم- إنها النار يا صديقى أنا أمامها وهو خلفها، فأنت رقيق القلب لأن مجلسك بعيد عن الأتون المشتعل، حتى الرقة ليست اختيارك..

صابر- أيها المخادع الملعون لقد وصفت أبيك منذ دقيقة أنه طيب القلب، مع أنه كان مكانك أمام الأتون حتى إحترقت خلاياه، وتشوهت نطفته التي أنجبتك..

سالم- عيب على شعرك الأشيب أن تكون قليل الحياء؛ كيف تسئ إلى رجل قضى نحبه؟ بل وكان أفضل من أبيك أيها الأبتر..

صابر- أما شعري الأشيب فهو من ذرات الطحين العالقة يزول بنفخه، فإن الأبتر لا يشيخ يا فيلسوف الخبازين؛ وذلك لأنه لا يحمل الهم، وما جدوى أن يمتد لي ألف ولد مضطرب مثلك، وأكون مثل المحروق أبيك..

سالم- أحترم سنك.. ولكن الأمر زاد عن حدة..

عامر-الهدوء يا سادة وليحكم بينكما صاحب المكان والماكينة بعد إنتهاء التوزيع..هيا إغلقوا أفواهكم كى نبدأ الإنتاج فقد تخمر العجين والزبائن على وشك التوافد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ستار)

المشهد الثاني
يضاء المسرح علي نفس الديكور والشخوص ضجيج ومناوشات وموسيقى صاخبة
ـــــــــــــــــــــــــ
سالم (متحركاً ناحية صابر بقسوة)- إنتهى العمل وأغلق علينا الباب، ساقطع لسانك أيها الحاقد..

عامر (محجزاً بينهما بيديه)- إتقوا الله، صراع الأيدي جديد على لمتنا انتظروا قدوم صاحب المكان كي يحكم بينكما كما إتفقنا..

(يدفع عامر كل واحد منهما بيد ليجلس سالم علي الأرض مسندا ظهره للماكينه، ويعود صابر إلي كرسيه خلف الطاولات الفارغة)

صابر- لن يرضيه إهانتي فقد كان يحب أبي ويعلم شأن عائلتي..
سالم- ههههه عائلتك! هل لك عائلة غير زوجتك السمينة..
(يهم صابر بغضب كي يشتبك معه مرة أخرى)
عامر صارخا-لا يجوز أن تقول ما قلت يا سالم لقد أهنتنا جميعا..

سالم- أنا أسف ياعم عامر لم أقصد ما فهمتم؛ إذ ليس من المعقول أن يشتهي صاحب الماكينه تلك الكتلة الآدمية، هههه..

عامر- إنك بهذا تزيد من وقاحتك وقد تخسرني أنا الأخر، أمامك دقيقة إن لم تعتذر لصابر وتقبل رأسه صرت خصيمي إلى الأبد..

صابر- لن أقبل عذره ولن يجمعني به مكان واحد (يا انا يا هو في الوردية دي)..

عامر- يا أهل الخير كلاكما مخطئ وجبان، الغضب جعل سالم يتفوه بما لا يؤمن به، فقد صدع رأسي منذ أعوام أنه لا يجوز معايره الإنسان بأقداره، ثم يعاير بالعقم وشكل الزوجه، وجعل من صابر العطوف الصامت ذئب متوحش يريد أن يفتك بصاحبه ( اين حق العيش والملح)..

صابر- إكراما لك يا عم عامر لن أتكلم ولكن حقي سأحصل عليه في حضور صاحب الماكينة..

سالم- اتظن أن صاحب الماكينة سيترك فرشته الدافئه ويأتي ليجلس على تلك الأرضية الملوثة بزيت الماكينة الممزوج بالطحين ليناقش همومنا..ههه

صابر- لن أرد عليك..

سالم- ها أنت ترد على أيها الأبله، لن يفض الخلاف إلا نحن..

عامر- بدأ الخوف من العقاب بتسرب إلى قلبك يا سالم..

سالم- أى عقاب؟ هههه فقط أنا أرى مالا تدركه حواسكم يجوز لأنني أصغركم سنا أري بعقلي ما يدور خارج هذا الفرن اللعين، أتخيل فراش صاحب الماكينة الوثير وزوجته الحسناء التي يخفيها عنا وأولاده اللذين بلا شك في مدارس وجامعات أجنبية، يعدهم ويؤهلهم إلى إمتداد سوف يطول بطول العمر كله..

صابر( مخاطبا عامر )- مره أخري يعايرني بإنقطاع نسلي و أؤكد لن ارد عليه إكراما لك..

سالم- يا عم، أنت ونسلك المنقطع وأنا ونسلي المحروق وعم عامر ونسله المعجون خارج حسابات هذا الكون ( أفهم بقى)
(ثم يهم واقفا يتجه نحو مجلس صابر وينحني علي رأسه قائلا)
وعلى العموم أنا آسف وهذه راسك

(يتحرك عامر خطوات حتى يصير بينهما ويجلس)

عامر- تعرف يا صابر أن هذا الولد عنده حق بالرغم من كونه مجنونا، فعلا لن يصلح ذات بيننا إلا نحن فقط؛ إقبل أسفه إكراما لسيدنا النبي..

صابر- عليه الصلاة والسلام، من أنا حتى أقبل أو أرفض، أنا من يتأسف فقد ذكرت أبيه بسوء مع أنه كان صديقي وكان بالفعل رجل طيب القلب؛ يبدو أن الغضب أشد إحراقا من نار هذا الفرن، جعلني لم أحترم شيبتي وظننتها ذرات طحين..

سالم( يجفف دمعه إنزلقت من عينه)- أنت رجل طيب جدا ياعم صابر بالرغم من أنك أبتر هههههههه..

صابر- يلا يا إبن الكلب، من ذكر بالأبتر أفضل مني ومن قالها أسوء منك ولكنك جاهل..

(يأتي من الخارج صوت نداء أنثوي رخيم وطرقات متقطعة هادئة)

إبنه عامر- هيا يا أبي الغذاء جاهز، أمي تتعجل حضورك..

عامر- حاضر يا عيونى، وأبلغي أمك أنني ساحضر ومعي ضيفان ثقيلان..
سالم- أووه لقد كبرت إبنتك وصار صوتها ساحرا..

عامر- تحشم يا إبن الكلب..

سالم- هههههه زوجها لي يا عم عامر، والنبي، والنبي..

عامر- فقير مغرور مثل كسيح مخبول، ههه..

صابر- ألم أقل لك أن هذا الولد قليل الدين..

سالم- ألم اقل أنك متخلف متطرف إرهابي يا عم صابر، إننا نمزح..

صابر- لكل شئ حدود؛ لا مزاح في الأعراض..

سالم- ياعم الإرهابي إنى أطلب الزواج ولم أطلب قبلة في السر ههههه.. ثم إن أبوها راضي وأنا راضى مالك إنت يا متخلف..

عامر- والله أضربك لو قلت كلمه زيادة هيا أمامي سنتناول الغذاء سويا مع أنكما لا تستحقان هذا الشرف..

سالم- هيا إلى الفول والعدس والجبن القديم..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يضج الثلاثة بالضحك ثم يغلق الستار)

المشهد الثالث
(نفس الديكور والمكان والشخوص)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عامر- ما رأيكم في غذاء أمس المتين أيها الصعاليك..

سالم- متين فعلا، وهل كان يغفر لي صابر إلا بعدما قضى على خزين بيتك من الفول والعدس (أطعم الفم تستحي العين) هههه..

عامر- لا تتعودوا على ذلك، حتى لا تغضب على أم العيال.. ( ما ينوب المخلص إلا نفاذ فوله) ههههه..
صابر- الله يسامحكم .. لقد إعتدت على حديثكم البارد..

(يدخل عم بدوي مهرولا بصوت متقطع وقامة منحنية)

بدوي- صاحب الفرن يخبركم بأن الجابى ومفتش الموازين في طريقهم إلى هنا؛ ويكلف صابر بضبط الموازين حتى يغادرا كما يكلفه بالتفاوض مع الجابي وأن يسلمهما الهدايا التي أعدت لهما، يا صابر صاحب الفرن يخبرك أنك المسئول الأول أمامه عن أي تقصير في هذا الأمر..

سالم- أصبحت المدير يا متخلف، (إفرح بقي)..

صابر- طبيعي أن أكون أهم إنسان في هذا المكان يا قليل الدين لأنني صاحب الميزان..

سالم- هههههههه تزيد أهميتك كلما خالفت ما تدين به يا كثير الدين، تماما كالقواد كلما زادت دياثته زادت أهميته..

صادق- كفاية كده، لم يتبق عندي من الفول إلا عليق البغلة، أنا آسف لكم جميعا يا أولاد الكلاب..
بدوي- أحب أن اقول لكم أن صاحب الفرن يراقب المكان كله بالصوت والصورة وهذا حقه وقد أخبرني أنه سمع ورأي أفعالكم والحساب يجمعكم به بعد مغادرة الجابى ومفتش الموازين..

سالم- هههه طز هل كان أبوك خفيرا يا عم بدوي، ههههه..

ستار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إبراهيم معوض

google-playkhamsatmostaqltradent