recent
أخبار ساخنة

الأديبة / فاطمة مندي تكتب : لقيطة الجسر ...... مشاركة مسابقة نهاية العام 2019

خاص المسابقة

لقيطة الجسر
ـــــــــــــــــــــــــ

ليس الان.. أو ربما في وقت اخر ، تتناغم الدقائق، تنسل كخيط عنكبوت من بيته المقلوب على سطح الغرفة الساجي ، قد ابوح بكل شيء، أو أختصر كل شيء، او عن أي شيء، انها اللحظة التي كنت انتظرها لعشرين عام.
منذ أن مسكت الحكاية وانا أفكر من داخل علبة معدنية أغلقتها بأحكام، ثمة من يركلها بقدمه ، او من يضعها في برميل قمامة ، ترمى بمقالع الصحراء ، افتح بابا للعلبة المعدنية بأظافري ، أخرج لعالم الصحراء المبهم ، افلت من خيط حكايتي ، بهدوء وعلى نسيم الليل اسردها كما ترغب حبات الرمل الناعمة..
لا أعلم من أنا ، او من أكون ، او حتى من أي رحم خرجت ، كل ما كنت اسمعه صوت حبات المطر ، احرك قدمي ، اصابعي لزجة ، كان ضوء الشمس يعكس مرأة ا لنهر داخل عيني ، انتعش بالظلام ، لكنني ارغب بفتح عيني في كل لحظة ، يمتد ظل مهول ، يحجب ذلك الضوء، افتح عيني ، ثمة أيدي تتلقفني كدمية، اتنفس روائح لا تشبه بعضها البعض, اتفحص وجوه طاغية بسمار قمحي,، عيون جحظة ، وانوف صغيرة وكبيرة.
اتذكر تلك الصبية التي اعطت لمغسلتي قطعة من قماشة القطن ، كما انني لم انس تلك المرأة التي تتكلم بصوت جاف ، كما لو ان حنجرتها ساق شجرة الصنوبر ، بهمس كانت تكلم المرأة التي وضعتني على فخذيها الغليظين..
هل وجدها متولي تحت الواح الجسر ، من دون ان تلف بخرقة او بشيء ما..؟
وضعتني صاحبة الفخذين الغليظين في سلة صغيرة ، وراحت تهزني بحركة خفيفة ، كانت رغبتي بالبكاء تزداد كلما اشم رائحة المرأة ،فما زال سؤالها عالق بذاكرتي ، لكن قلبها طيب ، طيب جدا فما أن أصبحت صبية حتى عرفت في ما بعد أنها الجدة لعشر صبيات.
كنت أجملهن ، اذا ما نظرت الى سماح صاحبة العينين الزرقاوتين والوجه الابيض كالثلج، كنت اعلم جيدا انني لقيطة الجسر، لكنني لا اعلم بالعشر الباقيات. فكل ما كنت اسمعه من صاحبة الفخذين والتي اصبحت الان كسلحفاة ، عندما كانت تنادي احدى الفتياة العشر بـ.. يمدهوله او يمسعوله ، او كانت تنادي سماح يزرقه ، وتناديني بعسليه.
تزوجن جميعهن ، اما انا فأجوب شوارع أسكندريه منذ شهرين ، لا شيء احس به بغرابة صارمة,، بل ان كل شيء بالنسبة لي عادي,، أنام بأزقة ضيقة متخفية من عين ثملة او من متسكع الليل ، او من شرطي, اسرق ما تلوح يدي من بسطات المطاعم ، او ثمة من استعطفه برغيف خبر.
قبل شهرين او أكثر كان الجزار يراقب خطواتي ، يرمي بلسانه الحاد كسكينه الصغيرة ، كلمات لا ارغب بها البته ، لم اكن اتوقع انني سأكون معه تحت سقف واحد ، بل كان هروبي في تلك الليلة هو خلاصي الوحيد عندما ارادني زوجته الرابعة.
لا ارغب بالحديث عن عشرين سنة ، وكما وعدت رمال الصحراء الناعمة انني سأختصر المسافة في عالمي المحدود ، لكن الامر قد حان لأكور نفسي داخل علبة معدنية ليرميني القدر كيفما يشاء ، والحق انني سوف اكتب على تلك الرمال الناعمة حكايتي ثم اعود الى العلبة لأغلقها ثانية والى الابد.

فاطمة مندي
google-playkhamsatmostaqltradent