recent
أخبار ساخنة

المحبرة قصة قصيرة بقلم الشاعر ابراهيم معوض


الحمد لله فازت قصتي (المحبرة) بالمركز الثاني في مسابقة على باب مصر .
========
المحبرة
 قصة قصيرة
========
العيون معلقة علي باب الخيمة العالية، الترقب يحنط الأجساد حتى بدت وكأنها تماثيل، الطبيب والعراف بالداخل يبدو أنهما لا يعبئان بقلوب في الخارج تكاد أن تتوقف؛ طال الأنتظار، الرؤوس منهكة من كثرة ما بها من أسئلة، ماذا سيطلب الطبيب اليوم من أعشاب نادرة؟ وكم من الشباب ستفقد القبيلة في سبيل الحصول عليها؟ وهل سيشفي الشيخ بعد كل هذا العناء؟ أنفقت كل الأموال، توقفت حركة القوافل، على أمل واحد أن تعود إليه صحته وبعدها ستعوض كل الخسائر، فهو الوريث الوحيد للعقل والحكمة والقيادة.. تحركت بخطوات هزيلة حتى صرت قبالة الكاتب تفحصت جلسته وحركته الدائبة الظاهرة وسط الجمود وكأنه كاهن يتعبد بين أصنامه، تتطوح المحبرة المعلقة بعنقه مع حركات ريشته على القرطاس، حتى تمنيت أن تسكب محتوياتها علي ملابسه وأوراقه؛ ماذا يكتب هذا المجنون؟ فالناس متصلبة كأعجاز النخل الخاوية والأحداث متجمدة مثل أطرافي وصرير قلمه لا ينتهي، لملمت بقايا شجاعتي وسألته، فرد ببساطة لم اتوقعها: خذ وأقرأ.. فضحكت برغم سخريته مني؛ فأنا أعلم أنه يعلم أن القبيلة كلها لا تملك من يقرأ أو يكتب سواه، فأردت أن أرد إليه الإهانة بضعفها، فقلت: يبدو أن صحة الشيخ لا تعنيك؟ فقال: أنا فقط أهتم بتدوين أفعالكم وأفعال القدر بكم وليس لي هم آخر. فضحكت ثانية من جهله وقلت مخاطبا نفسي: ماذا يفيد ما يكتب إذا مات الشيخ وذهب الخير والبركة؟ نحن لا نقرأ يا حمار..
خرج العراف بملابس يبللها العرق، وجه معقود وكأنه مرسوم من حصيلة طلاسمه، وقف قليلا ثم نظر في النجوم، تبعه الطبيب لا يختلف عنه كثيرا في الهيئة والمنظر إلا أن نظره زائغ وكأنما ينفذ به بين أضلاعنا، ثم أشار نحو الخيمة، قائلا: أيها الناس ما عاد يجدي الطب ولا السحر، إن الشيخوخة تجفف ما ترطبه العقاقير والتعاويذ، لقد خسرنا الحرب أمامها ونعلن ذلك للجميع، بكت العيون والقلوب، ندم كل من أنفق النفس والمال على أمل زائف..
صرخت النساء: لقد تركنا للضياع والجوع..
إختلطت الأصوات فغاب العقل: هيا مزقوا الساحر والطبيب فما عادت لهما فائدة؛ فما حصدنا من الطب والنجوم إلا الموت، فر الطبيب يركض في طريق السباع، وطار العراف يمتطي صهوة نجومه، فصرخت فيهم أن يتحلوا بالعقل والهدوء بعدما يقتلوا هذا الكاتب اللعين فإنه طائر النحس.
google-playkhamsatmostaqltradent