قصة قصيرة
دخان وقهوة مرة
جلس في نفس المقهى الذي يجلس فيه كل يوم... أشعل سيجارته وطلب قهوته السادة وجلس يكتب ككل يوم رسالة لحبيبته ،تجري سطورها اللاهثة لتنطق بأنَّاته ورغبته الملحة في لقائها ...وقبل أن يجف مدادها يكتب غيرها ...رسائل متعددة والمعنى واحد ؛الطلب واحد ؛الرغبة واحدة عودتها فقط... تمنى أن ترد على إحدى رسائله ،ولكن هيهات تسافر الرسائل ولا يأتي لها رد ولا يُسمع لها صدى، يرتشف فنجان القهوة ،وقلبه يصرخ بداخله ينزف ألما وحزنا لفراقها، ولا يدري أحدا به و يسمع أنينه، وبينما هو غارق في الكتابة ودخان سيجارته يكتب حروف أسمها في الهواء ،فيرى نفس الفتاة التي يراها كل يوم تجلس على الطاولة المجاورة له ،نفس نظراتها الحزينة وكأنها تطارده ،يعود فينظر في الجريدة بعد أن كتب رساله محبوبته ،ونسى انه بالمقهى ونسى كل مَنْ حوله وتحوّل المكان حوله لصحراء موحشه ممتلئة بالأفاعي، فيقرر الفرار حيث أتى، ليعود لمنزله ويجلس على فراشه لتعود به الذكريات ويتذكر لقائه الأول بها ،كان في نفس " الكافيه " بينما تجلس هي مع صديقاتها يجلس هو مع أصدقائه ،يرمقها من بُعد دون أن يختلج له جفن، وباتت عيناه مقيدة بحركاتها وسكناتها ،مما جعلها تنتبه له ،وبابتسامة رقيقة غازلته عيناها وبرقة متناهية رفعت خصلة من شعرها الأسود ،انسدلت فوق جبينها كأنها تحييه، ثم خرجت من " الكافيه " وتركت صديقاتها ...فخرج خلفها فأسقطت حقيبتها ...أسرع وتناولها...مدت يدها لتأخذها وبنظرة كالسهم أصابت قلبه ،وبدهاء الأنثى تعمدت أن تلمس يده ،ليشعر برعشة تنتابه، وخفقان قلب لم يعرف الحب مكانه من قبل ،وبنبرات صوت عذب رقيق، شكرته وكأنها تدعوه للتعرف عليها ،وهو كالمذهول تسمر مكانه محملقا بها وبات عقله مصلوبا لا يدري ماذا يفعل، فأسرع خلفها كالمسحور لا يدري مصيره المجهول ...فالحب قدر يأتينا غفلة يجذبنا لما يهوى دون أن نشعر فنسير في طرقات كتب لنا أن نخطوها ،وكأننا نسير بعقول مكبلة بأحلام وردية إما أن تاخذنا لجنة أبدية أو تأخذنا لجحيم بلا نهاية، إما أن نشعر به ونتالم بشراراته ،أو نتلذذ بهذا الألم ونعيش عمرا نجلد أنفسنا بسياط الحب الكاذب واهمين...، توالت لقاءتهما بعد أن سقط في شباكها كصيد العنكبوت فأصبحت كل حياته، ترك من أجلها أصدقائه وأهله وانحصر تفكيره في كيف يسعدها وينال رضاها؟، أما هي فقد كانت فتاة مدللة تعودت منذ صغرها أن يلبي الجميع طلباتها ...كم حطمت من العاب أحضرها لها والدها لأنها تمل سريعا وبكاؤها يمزق قلبه فبعد موت والدتها لم يعد لديها الا والدها؛ رجل أعمال مشهور ثري يلهث خلف المال ...الحياة عنده عمل ثم عمل ثم عمل ،والبيت بالنسبة له فندق يأوي اليه ليلا لينام ساعات قليله ليعود في الصباح للعمل وتتوالى أيام متشابهة ولا يدرى عن ابنته شيئا سوى تلبية طلباتها المادية ويراها في المناسبات الخاصة وأحيانا تجمعهم وجبة عشاء يتبادلان خلالها بضع كلمات لا تخلوا من طلباتها الغير منتهية، أصبحت حياتهما سلسلة من اللقاءات ربطت قلبيهما بشريط من حرير ...جميلة رقيقة اغدقت عليه من حبها وحنانها ،حسده عليها كل اصدقائه أصبح يبخل على نفسه في سبيل شراء هدايا ثمينه تليق بها ،فمحبوبته الجميلة تعشق الهدايا الثمينة فصار يعمل أوقاتا اضافية ليستطيع أن يوفر لها المزيدمن الهدايا بمناسبة وغير مناسبة فالسبيل اليها صعب، كيف يصل من بالأرض لمعانقة نجوم السماء؟ كيف يستطيع الغريق أن ينجو وهو يحلم بالاعماق؟ أخذته عروس البحر جذبته لبحر الأساطير في أعماق المحيط عاشا معا داخل إحدى صدفاته، غابا عن العالم نسيا العوده للواقع ...أحيانا يكون الخيال قطعة من السكر تُحلي مرارة الواقع ،فالفارق المادى بينهما كان هو الشاغل الوحيد لتفكيره ولكن حبه لها جعله ينسى كل شيء، ويعدو خلف حلمه خلف حبه فيصبح مجنونا يراها في كل شيء حوله ،يراها في وجوه كل البشر ،يحدّثها في غيابها وكأنها موجودة، لم يعد يستطيع الحياة بدونها وهو يعلم أنها تحمله داخل قلبها ...ذهب لها وأخبرها أنه لا يستطيع الحياة بدونها ويتمنى الزواج منها لتكون أم أولاده ...لم تمانع وأظهرت فرحة كبيرة ولكنها طلبت منه فرصه لحين عودتها من الخارج لانها ستسافر مع والدها لمده أسبوعين وعندما تعود ستكون قد اخبرت والدها ليتقدم لها ،سافرت وأظلمت الدنيا من حوله ،خلت من ضوء القمر ومن سطوع الشمس ،وظل داخل حجرته يحاول الاتصال بها ويكتب لها رسائل وامتلأت الحجرة بدخان السجائر حتى كاد يختنق من غيابها، وظل يحدثها وكأنها معه لماذا لا تردين على مكالماتي ورسائلي ...أين أنت يا عروسة البحر ،تركتِ البحر وتركتِنِي كنت أحلم أن تأخذيني للاعماق فلا أعود للأرض ،غابت عيونك وحل الظلام ،أيامي تتشابه في غيابك كم هي طويلة مملة، تعبتُ من الانتظار، قست عليَّ الحياة ،دمرني فراقكِ، اه لو تعلمين بمدى وجعي وجرحي ، اه لو تعلمين كم مزق غيابكِ قلبى ...مرَّ اسبوعان ...ثلاثة ..شهر كامل ولم تعد، ولم يصل منها خبر ،ولم تصل منها رسالة، خشى أصحابه عليه من الجنون، أخذوه رغما عنه الى المقهى ،فبدا يعود لحياته منتظرا إياها يجلس على نفس الطاولة يطلب قهوته وأمامه كمية كبيرة من الأوراق ،يكتب رسالة لها وهو يرتشف قهوته المرة وبيده سيجارة قبل أن تنطفئ يشعل غيرها ،يكتب كل يوم رسالة تسافر و لا يأتي لها إجابة، ومازالت تلك الفتاه تجلس بعيدا عيناها تعشقه فهي تعلم قصته ،تحلم أن تكون أميرته، تقدم حياتها له دون مقابل لا يعنيها المال أو الجاه ،تريد قلباً يعشقها فقط ،كما عشق حبيبته التي لم تعرف الحب يوما ،بل عاملته كما عاملت العابها ،مزقته ومزقت كل روابط الحب بينهما ولكنه مازال ينكر أنها تركته ومازال ينتظرها لم يعترف أنها خدعته ،إنه كان مجرد لعبه انتهت مهمتها وحين ملت منها كسرتها ولم تأبه لقلب كُسر تحت أقدامها ،ولا نزيف جُرح لم يجد طبيبا يوقفه فظل ينزف حتى كاد الموت أن يأتى مسرعا لينهى نزيف الألم بداخله ...لم يعترف وظل يكتب رسائله حتى عرف الجميع قصته وأصبح اسم يتردد بين قصص العشاق لم يعد مجنون ليلى وحده بل أصبح هناك مجنون آخر لم يعرف يوما أنه خُدع إنها أصبحت مجرد سراب إنها لن تعود له حتى أنه لم يعد يعلم كم من الوقت مضى على غيابها ،فلنسأل تلك الفتاة كم من الوقت أفناه.ﻻنه يقاس بالوقت الذي افنته فى مراقبته ،بقلب يحلم ان تكون بطله حكايته ترد على رسائله ومكالماته .تشاركه حلمه،تحول حلمه لواقع ولكنه ﻻيشعر بها ،بل يرتشف قهوته المره كمراره ايامه ويرسم دخان سيجارته صوره مهزوزه لحبيبته فمﻻمحها بدأت تتﻻشى كالدخان
دﻻل احمد الدﻻل ###