" حتى لا يحترق الخبز " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
=====================
تقديم :
أحداث وشخوص النص حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص اللهم سوى الصياغة الأدبية فحسب .
مقدمة :
.. " أمي " ... بطلة النص .. قد تكون أمي الفلسطينية .. العراقية .. السورية .. الليبية ... المصرية .. الجزائرية .. اليمنية ... أو في أي مكان لا يزال ينزف دماً .
( الكاتب )
---------------------------
" حتى لا يحترق الخبز " ؟؟!!
.. أرغفة أمي ذات نكهة وطعم ومذاق رائع مختلف ومميز .. هذا ما يشهد به الجميع من أفراد الأسرة والعائلة والجيران .. فأطلقوا عليها لقب " المرأة الطيبة ذات الأرغفة الشهية " .
فأمي طيبة " حد السذاجة " كما وصفها البعض..
فعندما تقوم بالبدء في إشعال نيران " الطابون " ...وما إن تبدأ في وضع الأرغفة في " الطابون " تمهيداً لإنضاجها ... حتى يتصاعد عبق وأريج الخبز ليملأ السماء والهواء .. فيصل إلى أنوف وخياشيم جميع من كان يقع في دائرة العبق الرائع ... فيهرول الجميع ناحية باحة منزلنا المتواضع في القرية الجميلة .. ويتوجهون فوراً ناحية " أمي " التي كانت تقوم بإنضاج الخبز في " الطابون " التليد خاصتنا .. ملبين نداء ذلك الأريج الفواح المنبعث من الخبز الذي تم إنضاجه بطريقة فنية مميزة ... فينقضون على الأرغفة ويتهافتون على تناولها بينما الابتسامة الجذلى تسيطر على وجه " أمي " بسعادة طاغية .. فيرددون من جديد :
- " كم أنت رائعة أيتها " المرأة الطيبة ذات الأرغفة الشهية " ...
كان يحدث مثل هذا الأمر منذ نعومة أظافري .. ومنذ كنت في المهد صبياً ..
" أمي " بدورها .. كانت حريصة جدا على إنضاج الخبز بشكل جيد .. وبشهادة الجميع ... ولم يحدث أن احترق أي رغيف من تلك الأرغفة في يومٍ من الأيام بالمطلق طوال حياتها .
... عندما بدأ اجتياح " العدو " للمدن والقرى المحيطة ومن كل جانب ... كان الجميع يفرون من تلك الأمكنة إلى حيث المناطق التي يظنون بأنها أكثر أمناً .. خشية بطش العدو وتنكيله بهم .
فلقد ردد الجميع حكايا تلك الأحداث التي حدثت للسكان الآمنين في كل مكان كان يصل إليه العدو المتوحش .
... بينما كانت " أمي " تقوم بإنضاج خبز " الطابون " في ذلك الصباح الباكر - كعادتها - ... وبينما كانت في الجانب الآخر من القرية العديد من عربات وجنود العدو الذين كانوا يقتحمون القرية عنوة .. ويجهزون على كل من يعترض طريقهم ومن يصادفهم ... بينما أخذ الجميع يفرون من المكان يطلبون النجاة .
" أمي " بدورها لم تتنبه لتلك الجلبة والضوضاء والخطر المحدق بها .. فلقد كانت مشغولة بإنضاج الخبز بينما كان يلتف من حولها مجموعة من الأطفال والصبيان يتخطفون الأرغفة الشهية وهم يتصايحون ويقهقهون ... فتغطي الجلبة والضوضاء أرجاء المكان .
... يتناهى الصراخ والنداء والتهليل ليصل إلى مسامع الأطفال الذي أخذوا بالفرار من المكان بعد أن تنبهوا للخطر المحدق بهم .. وألقوا الأرغفة من بين أيديهم .. وأخذوا بالفرار ...
ورغم ذلك كله .. فإن " أمي " الطيبة .. لم تكن لتدرك سر ذلك الفرار المفاجئ للأطفال من حولها .. وأرجعت الأمر برمته بأن الأطفال قد انفضوا من حولها فجأة تلبية لنداء ذويهم باستدعائهم لأمور خاصة ؟؟!! .
.. الخطر المحدق يقترب أكثر فأكثر ... إحدى الجارات تقترب من " أمي " أكثر فأكثر وهي جزعة... تقترب منها .. تهزها بعنف وحدة وعصبية ...تصرخ بها بصوت متحشرج :
- هيا .. هيا أيتها المرأة الطيبة .. هيا اهربي من هنا .. فالعدو في طريقه إلى هنا ... هيا اهربي بسرعة قبل أن يصل العدو .. ويبطش بك .
.. تنهض " أمي " من المكان جزعة مضطربة .. تتوجه ناحيتي .. تحملني بين يديها .. ثم تفر من المكان كي تلحق بالآخرين الذين كانوا يفرون خائفين .. يهربون بسرعة جزعين ..
التحقت " أمي " بالركب .. واندست بين أفراد الطابور الطويل الطويل .. وهي ما زالت تحملني بين يديها .. على كتفيها .. إلى صدرها .. .
فجأة ؟؟!! .. كانت تنزلني من بين يديها إلى الأرض بطريقة عصبية وبحركة مفاجئة ... وهي تصدر صوتاً هادراً متحشرجاً ...
التفت الجميع إليها .. فقد شد انتباههم تلك الحركة المفاجئة ؟؟؟ وتلك الصرخة المدوية .. وكأن لسان حالهم جميعا يقول :
" ... ماذا هناك أيتها " المرأة الطيبة ذات الأرغفة الشهية " ؟؟!!!
... كأنها سمعت همساتهم ... صرخت بصوتٍ مدوٍ تردد صداه في جنبات الأرض .. وأرجاء السماء :
- لقد نسيت " الخبز " في " الطابون " قبل فراري .. ولا بد أن أعود إلى هناك ... لا بد أن أعود ...
" حتى لا يحترق الخبز " ؟؟؟!!!
( انتهى النص ... ولا زال صراخ " أمي " يدوي ... :
" ... لا بد أن أعود إلى هناك ... لا بد أن أعود ...
" حتى لا يحترق الخبز " ؟؟؟!!!