recent
أخبار ساخنة

الأديب / شهم م شريف يكتب : مباراة محيرة ......... مشاركة مسابقة نهاية العام 2019

للمسابقة قصة قصيرة
بعنوان :
كلمات في المباراة المحيّرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ


استوقفني وأنا أقود السيارة على مفترقٍ شديد الازدحام ساعة الذروة من عصر يوم ربيعي مشمس ، ليبيعني شيئاً من عُلبةٍ كرتونيّةٍ معلقةٍ برباطٍ رثٍ على رقبته تجعل يداه محررتان عند الحاجة لإحداهما أو كلتيهما معاً ، لم أُعرْه اهتماماً أول الأمر لكثرة ما نتعرّض لأشباهه بالآونة الأخيرة بمدينة حلب ، لكنّ إصراره و وتكرار عبارته المعتادة لكلِّ سائقٍ يمرّ أمامه ، لم يزدني إلا عناداً وتجاهلاً له ، إلا أنّ عنادي كان يُقابل بجرعةٍ من إصرارٍ ومزيدٍ من التكرار تصل لحدّ الوقاحة ، وتجاهلي له كان يدفعه لرفع درجة السؤال ومزيداً من لهجة الاستجداء ، كان آخرها أنْ دعا الله بالسوء لي إن لم أشترِ منه .
لكنّ التوقف الطويل بسبب شدّة الازدحام لم يٌغير شيئاً ، إلا أنّ امتداد يده عبر النافذة المفتوحة ليغطّي المساحة المفتوحة أمامي تماماً دفعني لإعلان الاستسلام أمامه ، خاصة أنّ التشققات والقروح في يده التي غطت المشهد الخارجي أمامي بشكلٍ شبه كامل و طغت عليه ؛ هزّتْ وتراً من أوتار فؤادي المحطم أصلاً من تردّي الأوضاع الإنسانية والمعيشية والأخلاقية التي صرنا إليها .
أمعنت النظر فيها برهة ، ثم أدرت وجهي نحو وجهه ، كان فتىً في الثانية عشر من عمره تقريباً ، وكانت عيناه ترسل رسائلَ تشبثٍ بالحياة غير مخْفية ،
أعدت النظر في محتوى العلبة فوجدْت فيها صنفاً ساذجاً جداً بالنسبة لعمري من مأكولات الأطفال المغلّفة ، استفسرت عن سعر القطعة منه ، فأعلمني برقمٍ يحمل في طياته تسولاً واضحاً لا لبس فيه ، حاولت التفاوض معه لتخفيض السعر قليلاً ،لكنّه لم يستجبْ ، لم أرد الدخول بنقاش تجاري كنا نلجأ إليه أحياناً لمعالجة جشع بعض تُجّار المفرّق ، فحوّلت الحديث لاتجاهٍ آخر ،
ـ في أي صف من التعليم المدرسي الرسمي أنت حالياً ؟
أجاب : السادس الابتدائي .
ـ ولم أنت خارج المدرسة حالياً ؟
رد : اليوم عطلة
ـ ما هو سبب أو مناسبة العطلة ؟
لأنه عيد
ـ عيد ماذا ؟
لا أعرف
ـ طيب ما هو تاريخ اليوم ؟
بدون تردد أجاب : السابع عشر من نيسان
جيد ؛ تعرف التاريخ وتعرف أنه يوم عيد ولا تعرف مناسبته الذي حوّل يوم دوام رسمي لعطلة
لا ...لا ...لا أعرف ... أظنه يوم فازت سوريا على.... على...... على..... !؟
ـ ماذا ! ؟ ، فازت سوريا ...... بماذا فازت ؟
نعم ،فازت سوريا بمباراة ....بمباراة..... على ....على..... !!.لا أعرف
وا مصيبتاه ؛ قلتها لنفسي بصوت خافت
ـ هل تقصد أنّه يوم تغلب المنتخب السوري بكرة السلة على .... قاطعني !

لا ...بكرة القدم .
ـ على أي المنتخبات تغلّب المنتخب السوري بكرة القدم ؟ ، وبأي عام ؟
كرر الجواب : لا أعرف
ـ إن عرفت سأشتري منك العلبة كاملة !
أشرقت عيناه ببريق الربح المُتخيل له بلحظات معدودة ؛ فكّر ثم فكّر ثم اعتصر أفكاره ، لكنه يأس مجاوباً بصوت منخفضٍ :
لا أعرف
ـ قلت له سأساعدك قليلاً لكنْ سأسألك سؤالاً يندرج تحت مظلّة الأول :
في الواقع يا بني لقد تغلب منتخب سوريا على منتخب فرنسا ؛لكنّ السؤال الآن :
متى بدأت المباراة ومتى انتهت ؟
أجاب بعد تفكير ملي ّ .... الإجابة ذاتها .....لا أعرف
أخرجت محفظتي ودفعت له قيمة قطعتين من العلبة كانت له مشجّعة على الاستمرار معي بهذا الحوار
سأساعدك أيضاً ، لقد بدأت عام 1919 وانتهت عام 1946 ، لكن السؤال الآن ؟ :
من كان يأخذ مركز قلب الهجوم المتقدم أي رأس الحربة في المنتخب الفرنسي لحظة بدء المباراة آنذاك
طبعاً لم يعرف
دفعت له قيمة قطعتين إضافيتين فازداد بريق عيونه لمعاناً ... ثم أجاب لا اعرف
ـ قلت له : لقد كان الجنرال غورو ؛ احفظ اسمه عني جيداً
من كان يأخذ موقع مركز الدفاع المتأخر لحظة بدء الشوط الثاني .... استرسلت ثانية ... المارشال بيتان .
بشرائي بقية القطع في علبته ودفع قيمتها كاملةً ؛ سألني : من هم لاعبي المنتخب السوري آنذاك ؟
ـ اسأل أستاذ مادة التاريخ بمدرستك وهو سيجيبك لأنّي لا أعرف !،لكنه سألني سؤالاً متوقعاً ومنطقياً جرّاء حوارنا هذا
لقد عرفت من فاز بالمباراة ولكن ما هي النتيجة ؟
ـ لو سألتني منذ مدة طويلة لأجبتك : أعتقد أنيّ لا أعرف ؛ لكنني الآن متأكد بأنّي لا أعرف ، ولكن المهم أن المنتخب السوري على فرنسا قد فاز.
وكلّ عيدٍ لجلاءِ المستعمرِ الفرنسي عن سورية وأنتم بألف
لا أعرف !.
.
.
شهم م شريف
google-playkhamsatmostaqltradent